قوله تعالى: {ياأيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد 15 إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد 16 وما ذلك على الله بعزيز 17 ولا تزر وازرة وزر أخرى وإن تدع مثقلة إلى حملها لا يحمل منه شيء ولو كان ذا قربى إنما تنذر الذين يخشون ربهم بالغيب وأقاموا الصلاة ومن تزكى فإنما يتزكى لنفسه وإلى الله المصير 18 وما يستوي الأعمى والبصير 19 ولا الظلمات ولا النور 20 ولا الظل ولا الحرور 21 وما يستوي الأحياء ولا الأموات إن الله يسمع من يشاء وما أنت بمسمع من في القبور 22 إن أنت إلا نذير 23 إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا وإن من أمة إلا خلا فيها نذير 24 وإن يكذبوك فقد كذب الذين من قبلهم جاءتهم رسلهم بالبينات وبالزبر وبالكتاب المنير 25 ثم أخذت الذين كفروا فكيف كان نكير 26}
  يحمل غيره شيئًا من آثامه، ولو كان أقرب الناس إليه، وإنما خص المثقلة؛ لأنهن أضعف، والقلوب لهن أرق، والناس إلى معونتهن أميل، فإذا كان مع هذا لا يجيبه أحد إلى تخفيف عقاب فكيف غيره؟! وإنما لا يحمل لوجهين: إحدهما: غِلَظ حال الآثام، وثانيهما: ما فيه من مخافة العذاب، فكل أحد يؤخذ بذنبه «إِنَّمَا تُنْذِرُ» أي: تُخَوِّفُ، يعني بهذا «الَّذِينَ يَخْشَوْنَ» يخافون «رَبَّهُمْ» إنما خصهم لقبولهم وانتفاعهم به وإلا فهو منذر للجميع، ومعنى يخشون: يخافون «بِالغَيبِ» قيل: في خلواتهم وغيبتهم عن الخلق وسرائرهم، وقيل: في تصديقهم بالآخرة وأهوالها؛ لأنها غائبة عنهم، وقيل: يخافونه من غير أن يشاهدوه، فكأنه غائب عنهم «وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ» أي: أداموها «وَمَنْ تَزَكَّى» قيل: تَطَهَّرَ من الآثام، وقيل: صلح وعمل خيرًا «فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ»؛ لأن جزاءه يصل إليه. «وَإلَى اللَّهِ» إلى موضع حكمه «الْمَصِيرُ» أي: المرجع للجزاء.
  ثم ضرب مثلاً بَيَّنَ أنهما لا يستويان في الجزاء، فقال سبحانه: «وَمَا يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ» قيل: الأعمى عن الدين والبصير به، وقيل: المؤمن والكافر «وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ» قيل: هو النور والظلمة بعينهما، وقيل: ظلمات الكفر ونور الإيمان. وقيل: هو مَثَلٌ، أي: كما تفضلون النور وتهتدون به بخلاف الظلمة، كذلك المؤمن والكافر. وقيل: معناه: كما لا تستوي عندكم هذه الأحوال، كذلك لا تستوي عبادة الله مع عبادة غيره، عن أبي علي. «وَلاَ الظِّلُّ وَلاَ الْحَرُورُ» قيل: الجنة والنار، وقيل: هو مَثَلٌ؛ أي: لا يستوي عندهم المقام في ظل ظليل بارد مع المقام في الحرور، وهو استيقاد الحر ولفحه، كذلك لا يستوي الحق والباطل «وَمَا يَسْتَوِي الأحيَاءُ وَلاَ الأَمْوَاتُ» قيل: هو مَثَلٌ، وأراد الحي والميت، وقيل: أراد المؤمن والكافر «إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ» من عباده مواعظه، فيتعظ بها وهو من له لطف في ذلك ولا يقدر أحد على تلك الألطاف غيره تعالى. وقيل: يسمع من يشاء من عباده جبرًا وقهرًا، ولكن لا يفعل ذلك؛ لأن التكليف يزول معه، ومعناه: لا تقدر على إكراههم على القبول منك، والاستماع يقع بمعنى الاستجابة، ومنه: سمع الله دعاءك، أي: