التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {والذي أوحينا إليك من الكتاب هو الحق مصدقا لما بين يديه إن الله بعباده لخبير بصير 31 ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير 32 جنات عدن يدخلونها يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير 33 وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور 34 الذي أحلنا دار المقامة من فضله لا يمسنا فيها نصب ولا يمسنا فيها لغوب 35}

صفحة 5853 - الجزء 8

  وأهوالها. وقيل: حزن الدنيا والمعاش والمصائب والأوجاع، عن أبي علي. وقيل: حزن إبليس ووسوسته. وقيل: الحزن الذي كنا نحزن في الدنيا من هول القيامة، عن الكلبي. وقيل: حزن الخير والفقر. وقيل: أراد جميع الأحزان؛ لأن جميعها تزول عن أهل الجنة، فلا معنى للتخصيص «إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ» قيل: الغفور الذي تجاوز عن الكثير، والشكور أنه قَبِلَ مِنَّا اليسير، عن أبي مسلم. قيل: غفور لمن يستحق المغفرة، شكور يعطي المحسن جزيل الثواب، عن أبي علي. «الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ» أي: الإقامة، أي: يقيمون فيها دائمًا فلا يرتحلون «مِنْ فَضْلِهِ» من نعمه علينا، وقيل: بلطفه وهدايته ورحمته وصلنا إليها «لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ» قيل: تعب، وقيل: وجع، عن قتادة. «وَلَا [يَمَسُّنَا فِيهَا] لُغُوبٌ» أي: إعياء وكلال، إشارة إلى خلوص نعيمهم من الشوائب. وقيل: «نَصَبٌ»: تعب العبادة ومشاق التكليف، وقيل: يعني طلب الرزق.

  ومتى قيل: لِمَ قدَّم الظالم وأخَّر السابق؟

  قلنا: الواو للجمع، لا للترتيب، ولأن التقديم في الذكر لا يدل على فضل، ولأنه أهم؛ كي يتدارك.

  · الأحكام: يدل قوله: {أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} على حدث الكتاب، وكذلك قوله: {مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ} لَمَّا كان متأخرًا عن غيره لم يكن قديمًا.

  ويدل قوله: {أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ} أنه لا نبي إلا ومعه كتاب، وإن خفي علينا، والصحيح: أن المراد بالمصطفى الأنبياء، وأن القسم يرجع إلى العباد على ما حكيناه عن أبي علي، وهو اختيار القاضي.

  وتدل الآية على أن نعيم أهل الجنة خالصة من الشوائب.

  وتدل أنها من فضله تعالى إما ابتداء، وإما بأسباب من جهته كالتكليف والهداية وإزاحة العلة.