التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده إنه كان حليما غفورا 41 وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءهم نذير ليكونن أهدى من إحدى الأمم فلما جاءهم نذير ما زادهم إلا نفورا 42 استكبارا في الأرض ومكر السيئ ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله فهل ينظرون إلا سنت الأولين فلن تجد لسنت الله تبديلا ولن تجد لسنت الله تحويلا 43 أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم وكانوا أشد منهم قوة وما كان الله ليعجزه من شيء في السماوات ولا في الأرض إنه كان عليما قديرا 44 ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى فإذا جاء أجلهم فإن الله كان بعباده بصيرا 45}

صفحة 5860 - الجزء 8

  سنته، وقيل: سنته إنزال العقوبة على العصاة «فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا».

  ومتى قيل: كان يجب أن ينزل بمشركي العرب مثل ما نزل بالأمم؟

  قلنا: ذاك سنته إن لم يتوبوا، وهم تابوا. وقيل: سنته: العقوبة إما عاجلاً أو آجلاً، وذلك لا يتغير. وقيل: أراد نزول ما يغير حالهم من العز والمنعة، وقد وقع يوم بدر بالقتل والأسر ويوم الفتح بالقهر. وقيل: سنته: الإمهال للتلافي للتوبة، وقيل: سنته: إمهال بعضهم، واستئصال بعضهم على حسب مصالحهم والمعلوم منهم.

  ومتى قيل: كيف ينتظرون مع الإنكار؟

  قلنا: ينتظر بهم فكأنهم ينتظرون، وقيل: بقاؤهم مع الإصرار كأنه انتظار.

  «وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا» ذكر بلفظين تأكيدا.

  «أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ» ممن كفروا فأهلكهم الله «وَكَانُوأ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً» فلم تعصمهم قوتهم «وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ» أي: لا يفوته شيء، ثم بييّن أن التعجيز [يكون] بِجَهْلِ موضعه، أو لأنه لا يقدر على أخذنا، وهو تعالى عالم بجميع المعلومات قدير على ما يشاء فيأخذه، «وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا» من المعاصي «مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا» أي: على ظهر الأرض «مِنْ دَابَّةٍ» قيل: مما يدب من سائر الحيوانات، عن أبي علي؛ لأنه إذا هلك الناس عقوبة هلك الحيوانات محنة. وقيل: إذا هلك المكلفون لا بد أن تهلك الحيوانات؛ إذ لا أحد ينتفع بها. وقيل: أراد الجن والإنس. وقيل: أراد المكلفين من الإنس، عن أبي مسلم. وقيل: الدابة اسم لمستحق العقاب من الكفار سماهم بذلك إهانة واستخفافًا. وعن أبي هريرة أنه سمع رجلاً يأمر