قوله تعالى: {يس 1 والقرآن الحكيم 2 إنك لمن المرسلين 3 على صراط مستقيم 4 تنزيل العزيز الرحيم 5 لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم فهم غافلون 6 لقد حق القول على أكثرهم فهم لا يؤمنون 7 إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا فهي إلى الأذقان فهم مقمحون 8 وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون 9 وسواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون 10}
  ثم بيَّن الغرض في بعثته وإنزال القرآن، فقال سبحانه: «لِتُنذِرَ قَوْمًا» أي: لتخوف وتعلم بموضع المخافة «قَوْمًا مَا أُنذِرَ آبَاؤُهُمْ» قيل: فيه وجهان:
  أولهما: بمعنى (الذي)، تقديره: كالذي أنذر آباؤهم، عن عكرمة.
  وثانيهما: أنه (ما) النفي، أي: ما أنذر آباؤهم في حال الفَتْرَةِ، عن قتادة؛ لأن قريشا لم يأتهم نبيّ قبل نبيّنا ÷.
  وقيل: لم يأتهم من ينذرهم بالكتاب حيث ما أنذر، وهذا على قول من جوز كون نبي في العرب قبله كخالد بن سنان وقس بن ساعدة وغيرهما، وقيل: لم يأتهم نذير من أنفسهم وقومهم وإن جاءهم من غيرهم، عن الحسن.
  ومتى قيل: لِمَ قدم الإنذار دون البشارة؟
  قلنا: لأن الإنذار يتضمن التخويف في ترك التمسك بالقرآن، والترغيب بالتمسك به، فيتضمن البشارة والإنذار، ولأن القوم كانوا على ضلالة، فكان التخويف أَلْيَقَ بحالهم؛ ليزولوا عن حالهم، ثم يبشروا بالجنة.
  «فَهُمْ غَافِلُونَ» عن الإيمان والرشد «لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ» أي: وجب الوعيد على أكثرهم لعلمه تعالى أنهم لا يؤمنون ويموتون على كفرهم «فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ»، وقيل: إنه تعالى أخبر ملائكته أنهم لا يؤمنون، نحو قوله: «إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ» رفعوا رؤوسهم وشخصوا بأبصارهم، عن مجاهد. يعني: المغلول لا يستطيع أن يجمع عنقه ويده، واختلفوا في معنى الآية، فقيل: المراد بالأغلال حقيقتها، وأنه يكون مغلولاً يوم القيامة، والجَعْلُ: الحكم، تقديره: حكمنا لهم بالأغلال في أعناقهم يوم القيامة لسوء أفعالهم.
  ثم وصف الأغلال بالشدة وبلوغها الذقن، وأنها تتضمن اليد والعنق، واكتفى بذكر العنق عن اليد؛ لأن الأغلال تتضمنها، ووصفهم بأنهم لا يمكنهم أن ينكسوا