التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ألم يروا كم أهلكنا قبلهم من القرون أنهم إليهم لا يرجعون 31 وإن كل لما جميع لدينا محضرون 32 وآية لهم الأرض الميتة أحييناها وأخرجنا منها حبا فمنه يأكلون 33 وجعلنا فيها جنات من نخيل وأعناب وفجرنا فيها من العيون 34 ليأكلوا من ثمره وما عملته أيديهم أفلا يشكرون 35}

صفحة 5879 - الجزء 8

  قلنا: يجوز فيه ثلاثة أوجه: الجحد، وبمعنى (الذي)، وأن يكون مصدرًا.

  · المعنى: عاد الكلام إلى أدلة التوحيد والبعث، فقال سبحانه: «أَلَمْ يَرَوْا» ألم يعلموا، قيل: أهل مكة، وقيل: الَّذِينَ استهزؤوا بالرسل، وقد تقدم ذكرهم، عن أبي علي.

  «كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ» (كم) هاهنا للتكثير، أي: كم قرنًا أهلكناهم، قيل: هم عاد وثمود وقرون بين ذلك كثير، عن قتادة. «أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ» أي: يلحق الباقي بالماضي ولا يرجع الماضي، وليعلموا أن ذلك لغرض، وهو المجازاة، وأن سبيل هَؤُلَاءِ سبيل أولئك «وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ» للجزاء والحساب في الموضع الذي الحكم فيه له «وَآيَةٌ» أي: حجة في التوحيد وصحة البعث «لَهُمُ الأَرْضُ الْمَيْتَةُ» التي لا نبات فيها «أَحْيَينَاهَا» بالنبات، وذكر الموت والحياة فيها توسع «وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا» من الأرض «حَبًّا»، وهو ما يؤكل من الحبوب التي بها قوام العالم «فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ» أي: من الحب «وَجَعَلْنَا فِيهَا» في الأرض «جَنَّاتٍ» بساتين «مِن نَّخِيلٍ وَأَعْنَاب وَفَجَّرْنَا فِيهَا» أي: شققنا في الأرض «مِنَ الْعُيُونِ» أي: الماء الخارج من العيون «لِيأكلوا مِنْ ثَمَرِهِ» قيل: معناه: أخرجنا الماء من العيون بقدر حاجتهم ليتم معاشهم ويأكلوا. وقيل: إنما جعلنا ذلك ليمكنهم التوصل إلى هذه النعم والفواكه «وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ» قيل: معناه:

  الله خالقها ومبدعها، لا عمل لهم فيها، عن الضحاك، ومقاتل، وأبي مسلم. فـ (مما) بمعنى الجحد، فينبغي أن يشكروا الله تعالى. وقيل: معناه: فليأكلوا من ثمره ومن عمل أيديهم الذي أصله ما خلق الله كالغراس والزرع والحرث ونحوه، عن ابن عباس. و (ما) بمعنى المصدر، وأراد بالعمل المعمول؛ لأن العمل لا يؤكل. وقيل: الذي عملته أيديهم كالخبز وأنواع الحلاوى والطيب من الأغذية، عن أبي مسلم. «أَفَلَا يَشْكُرُونَ» هذه النعم.

  · الأحكام: يدل ما ذكر في الآيات على مدبر حكيم، وعلى صحة البعث؛ لأنه ثبت أنه لا يقدر عليه أحد منا، فلا بد من صانع.