التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {سبحان الذي خلق الأزواج كلها مما تنبت الأرض ومن أنفسهم ومما لا يعلمون 36 وآية لهم الليل نسلخ منه النهار فإذا هم مظلمون 37 والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم 38 والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم 39 لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون 40}

صفحة 5881 - الجزء 8

  قراءة العامة: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا}، وعن ابن عباس وابن مسعود: «تجري لاَ مُسْتَقَرَّ لها» أي: لا قرار، فهي جارية أبدًا.

  · اللغة: السلخ: إخراج الشيء من لباسه، وكذلك إخراج الحيوان من جلده، يقال: سَلَخَ يَسْلَخُ سَلْخًا فهو سالخ، والسلخ: أن يخرج منها خروج الشيء مما لابسه.

  والمستقر: موضع القرار، ويُقال: أظلم الليل: صار مظلمًا، وأظلم القوم:

  دخلوا في الظلام، كما يقال: أَنْجَدَ، وأَتْهَمَ.

  والفلك عند العرب: كل شيء مستدير.

  والسَّبْحُ: السعي والسير.

  · الإعراب: يقال: لم جمع: {يَسْبَحُونَ} على جمع الآدميين، وهي الشمس والقمر؟

  قلنا: لما نسب الفعل إليهما، وهي السباحة مجازًا؛ ذكر الجمع بلفظ مَنْ يعقل.

  {مَنَازِلَ} نصب بـ (قدرنا).

  · المعنى: ثم ذكر أدلة أُخَرَ عطفًا على ما تقدم، فقال سبحانه: «سُبْحَانَ» أي: تنزيهًا له عن الشريك وبراءةً عن السوء «الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ [كُلَّهَا]» قيل: الأصناف والأشكال من الأشياء «مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ» من الحبوب والفواكه وغيرها «وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ» من الأولاد الذكور والإناث «وَمِمَّا لاَ يَعْلَمُونَ» يعني: أشياء من الحيوانات خلقها لا يعلمونها.

  ومتى قيل: فأي نعمة فيما لا يعلم؟

  قلنا: قد تكون نعمة ولطفًا لغيرنا، ويجوز أن يكون الخبر عنه لطفًا لنا، وقد نعثر أحيانًا على حيوانات ونبات لم نكن شاهدناها، فتزيدنا بصيرة وعلمًا.