قوله تعالى: {سبحان الذي خلق الأزواج كلها مما تنبت الأرض ومن أنفسهم ومما لا يعلمون 36 وآية لهم الليل نسلخ منه النهار فإذا هم مظلمون 37 والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم 38 والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم 39 لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون 40}
  «وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ» أي: نُخْرِجُ وننزع منه النهار، فيبقى الليل «فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ» داخلون في الظلام «وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتقَرّ لَهَا» يعني: إلى مستقر لها، فيه عدة أقوال: قيل: لانتهاء أمرها عند انقضاء الدنيا، فلا تزال تجري حتى تنقضي الدنيا فتقف، عن جماعة. قال أبو مسلم: ومعنى هذا ومعنى لا مستقر لها واحد، يعني: لا قرار إلى انقضاء الدنيا. وقيل: إلى وقت واحد لها لا تعدوه، عن قتادة. وقيل: إلى أبعد منازلها في الغروب والمستقر منازلها، سميت بذلك؛ لأنها بنيت لها لِتَنْزِلَها، كما بنيت البيوت لنستقر فيها. وقال ابن عباس: لا تبلغ مستقرها حتى ترجع إلى منازلها «ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ» القادر على ما يشاء، العالم بجميع الأشياء «وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ» قيل: ثمانية وعشرين منزلاً، ينزل القمر كل ليلة منزلاً، فإذا صار إلى آخر منازله «عَادَ كَالْعُرْجُونِ» يعني: العذق الذي فيه الشماريخ «الْقَدِيمِ» المتقادم، وإذا تقادم عهده حتى يبس قُوِّسَ، فشبه القمر به «لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ» أي: لا تدركه؛ بل يتعاقبان ويستويان «وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ» يعني: الشمس والقمر والنجوم في فلك يجريان، وأضاف الجري إليها توسعًا. وقيل: لا الشمس تدرك القمر في حركتها، وقيل: لا يدرك أحدهما ضوء الآخر. وقيل: الفلك جسم مستدير عليه الكواكب، وقيل: بل هو موضع سير الكواكب.
  · الأحكام: الآيات تدل على صانع مدبر، وأجرى كل واحد على ما تقتضيه الحكمة، وعلى ما فيها منافع عباده، ولما جعل تعالى النجوم تسير بنفسها علمنا أن الفلك اسم لمجرى الكواكب.
  وتدل على أن الضياء طارئ، والأصل الظلام، والليل والنهار إنما يصير كذلك بحركات الشمس والقمر وإتمام معرفة الأوقات والمصالح والمنافع [من] باب الابتداء وإن كانا متعاقبين.