التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وآية لهم أنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون 41 وخلقنا لهم من مثله ما يركبون 42 وإن نشأ نغرقهم فلا صريخ لهم ولا هم ينقذون 43 إلا رحمة منا ومتاعا إلى حين 44 وإذا قيل لهم اتقوا ما بين أيديكم وما خلفكم لعلكم ترحمون 45 وما تأتيهم من آية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين 46 وإذا قيل لهم أنفقوا مما رزقكم الله قال الذين كفروا للذين آمنوا أنطعم من لو يشاء الله أطعمه إن أنتم إلا في ضلال مبين 47}

صفحة 5893 - الجزء 8

  · الأحكام: يدل قوله: {مَا يَنْظُرُونَ} أن أمر الساعة قريب، والواجب انتظارها في كل وقت، وفيه حيث على التوبة، وتحذير من فوت التلافي.

  وتدل الآيات على عظيم قدرته تعالى في البعث والإعادة.

  وتدل على اعتراف كل جاحد يومئذ، ولكن لا ينفع.

  وتدل على عظيم نعم أهل الجنة وعقاب أهل النار.

  وتدل على عداوة الشيطان، ووجوب مخالفته.

  وتدل على بطلان الجبر من وجوه:

  أولها: قوله: {فَالْيَوْمَ لَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا} وأَيُّ ظلم أعظم من أن يَخْلُقَ فيه [الكفرَ]

  ولا يعطيه قدرة الإيمان، ويمنعه منه ثم يعذبه؟! تعالى الله عن قولهم.

  ومنها: على أنه لا يُعَذَّبُ الأطفال، ولا يُحْمَلُ ذنب أحد على أحد.

  وثانيها: قوله: {وَلَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} دل أن لهم عملاً، وأن العقاب جزاؤهم على الأعمال.

  وثالثها: قوله: {لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ} أنَّه لا يخلق عبادة الشيطان.

  ورابعها: قوله: {وَأَنِ اعْبُدُونِي} وكل ذلك تحذير، ولو كان جميع الأفعال خلقه لم يكن للتحذير معنى.

  وخامسها: أنه جعل الشيطان عدوًّا حيث دعا إلى الضلال، وعند الْمُجْبِرَة الله خلق الضلال فيهم، والقدرة الموجبة للضلال، وأراد الضلال، ومنعه من الإيمان والهدى، ولم يعط القدرة عليه، وكذلك خلق الدعاء إلى الضلال في الشيطان، فعلى هذا العداوة من جهته أشد، ولأنه أضاف الإضلال إلى الشيطان، وعندهم هو يضل، ولأنه وصف نفسه بالرحمة، ومن فعل هذا بعبده لا يوصف بالرحمة.