التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ولو نشاء لطمسنا على أعينهم فاستبقوا الصراط فأنى يبصرون 66 ولو نشاء لمسخناهم على مكانتهم فما استطاعوا مضيا ولا يرجعون 67 ومن نعمره ننكسه في الخلق أفلا يعقلون 68 وما علمناه الشعر وما ينبغي له إن هو إلا ذكر وقرآن مبين 69 لينذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين 70}

صفحة 5898 - الجزء 8

  إلى البِلَى، فكأنه نكس حاله، عن أبي علي. «أَفَلا يَعْقِلُونَ» ذلك، ويتدبرون في أن من قدر على ذلك قدر على الإعادة.

  ثم عاد إلى الاحتجاج للرسول ÷ والرد على من نسبه إلى أنه شاعر، وقد تقدم ذكره في السورة، فقال تعالى: «وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ» أي: لم يُعْطَ العلم بإنشاء الشعر؛ لأن إنشاء الشعر يحتاج إلى آلة زائدة على معرفة اللغة منع الله ذلك نبيه؛ لما فيه من الشبهة والتنفير، وقيل: لأن الشعراء يقولون ما لا يفعلون «وَمَا يَنْبَغِي لَهُ» أي: وما يقوله من عند نفسه، وقيل: لا يحفظ ولا ينشئ ولا يتمثل به «إِنْ هُوَ» قيل: القرآن المنزل «إِلَّا ذِكْرٌ» أي: سبب للتدبر والمعرفة لمعالم الدين، وقيل: القرآن شرف النبي والعرب، نزل بلغتهم، ودلهم على سبيل نجاتهم، وقيل: القرآن والذكر بمعنى، جمع بينهما لاختلاف اللفظ والمعنى بالقرآن؛ لأنه جمع وقرن بعضه ببعض، و «ذِكْرٌ» لأن فيه ذكر الله تعالى وذكر الثواب والعقاب والأحكام، عن أبي علي. وقيل: «إن هو» محمد، ÷ إلا شرف ورحمة للعالمين، وذكر لهم يذكرهم ومعه قرآن منزل «مُبِينٌ» بين واضح «لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا» أي: أنزلناه لينذر من كان مستمعًا مسترشدًا يقبل الموعظة، وخصهم لانتفاعهم به، وشبّه المؤمن بالحي والجاهل بالميت، ونحو ذلك قوله:

  لَقَدْ أَسمَعْتَ لَوْ نَادَيْتَ حَيًّا ... وَلَكِن لاَ حَيَاةَ لِمَنْ تُنَادِي

  «وَيَحِقَّ الْقَوْلُ» أي: يجب الوعيد والعذاب «عَلَى الْكَافِرِينَ».

  · الأحكام: تدل الآية على أنه تعالى قادر على أخذهم بأنواع العذاب، وأنه أمهلهم رحمة ليتوبوا ويستدركوا.

  وتدل على أن النبي ÷ لا ينشئ الشعر، ولا ينشده، وإنما جنبه ذلك؛ لما فيه من الشبهة والتنفير كما جعله أُمِّيًّا.