قوله تعالى: {أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاما فهم لها مالكون 71 وذللناها لهم فمنها ركوبهم ومنها يأكلون 72 ولهم فيها منافع ومشارب أفلا يشكرون 73 واتخذوا من دون الله آلهة لعلهم ينصرون 74 لا يستطيعون نصرهم وهم لهم جند محضرون 75 فلا يحزنك قولهم إنا نعلم ما يسرون وما يعلنون 76 أولم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين 77 وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحي العظام وهي رميم 78 قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم 79 الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا فإذا أنتم منه توقدون 80 أوليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى وهو الخلاق العليم 81 إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون 82 فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء وإليه ترجعون 83}
  وجهه ووزنه كان مصروفًا عن إعرابه كقوله: {وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا}[مريم: ٢٨] معدول عن باغية، وقيل: تأنيث العظام ليس بحقيقي، فجاز تذكيره.
  وقال: {مِنَ الشَّجَرِ} وهو جمع، ثم قال: {الْأَخْضَرِ} لأنه رده على اللفظ.
  · النزول: قيل: جاء مشرك بعظم بالٍ متفتت، وقال: يا محمد، أتزعم أن الله يبعث هذا بعدما بَلِيَ؟ فقال: «نعم»، فنزلت الآية قوله: {أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ} إلى آخر السورة.
  واختلفوا في هذا الإنسان مَنْ هو؟
  فقيل: العاص بن وائل السهمي، عن سعيد بن جبير.
  وقيل: أبيّ بن خلف، عن قتادة، ومجاهد.
  وقيل: أمية بن خلف، عن الحسن.
  وقيل: عبد الله بن أُبيّ، عن ابن عباس.
  · المعنى: عاد الكلام إلى ذكر أدلة التوحيد وصحة البعث، فقال سبحانه: «أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ» أي: لمنافعهم، يعني: أولم يروا إلى إِنعام الله عليهم بما خلق لهم «مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا» أي: خلقناه نحن من غير أن نَكِلَهَا إلى أحد، أو كان لأحد فيها شركة، فهو بمنزلة ما يعمله العباد بأيديهم، ولا يجوز حمله على الجارحة؛ لأنه ليس بجسم، ولأن الظاهر يوجب أن له أيديا، وهذا لا قائل به «أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ» ولو لم نخلقها لما ملكوها، ولما انتفعوا بها، فَمِنْ منافعها أصوافها، وألبانها، ولحومها، وجلودها، وركوب ظهرها إلى غير ذلك.
  ثم فصَّل تعالى ذلك فقال: «وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ» أي: سخرناها حتى صارت منقادة لهم «فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ» أي: مركوبهم يركبون من غير امتناع وهو البقر والإبل «وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ» الجميع من لحومها وألبانها «وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ» من أصوافها وأوبارها وأشعارها وأولادها