قوله تعالى: {أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاما فهم لها مالكون 71 وذللناها لهم فمنها ركوبهم ومنها يأكلون 72 ولهم فيها منافع ومشارب أفلا يشكرون 73 واتخذوا من دون الله آلهة لعلهم ينصرون 74 لا يستطيعون نصرهم وهم لهم جند محضرون 75 فلا يحزنك قولهم إنا نعلم ما يسرون وما يعلنون 76 أولم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين 77 وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحي العظام وهي رميم 78 قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم 79 الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا فإذا أنتم منه توقدون 80 أوليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى وهو الخلاق العليم 81 إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون 82 فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء وإليه ترجعون 83}
  وجلودها «وَمَشَارِبُ» أي: من ألبانها «أَفَلَا يَشْكُرُونَ» هذه النعم «وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً» يعني: هَؤُلَاءِ الكفار اتخذوا إلهًا غيره وهو الأوثان التي عبدوها، وهذا غاية التوبيخ؛ لأنهم عدلوا عن عبادته مع كمال نعمه وقدرته، وعبدوا ما لا ينفع ولا يضر «لَعَلَّهُمْ يُنصَرُونَ» أي: ينصرهم من عذاب الله ويدفع عنهم، وقيل: لعلهم ينصرونهم في أمورهم. ثم ردّ عليهم فقال سبحانه: «لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ» أي: لا يقدرون؛ لأنها جماد «وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ» قيل: في النار؛ لأن كل حزب مع ما عبدته من الأوثان في النار، فلا الجند يدفع عنهم الإحراق، ولا هي تدفع عنهم العذاب، عن أبي علي. وقيل: «جُنْدٌ مُحْضَرُونَ» أي: يتعصبون في الدنيا للأوثان، عن قتادة. وقيل: «وهم» يعني: هَؤُلَاءِ الكفار لهذه الأصنام «جُندٌ» يحيطونها ويدفعون عنها فكيف يعبدونها؟ وقيل: هم لها جند في الدنيا محضرون في القيامة معها يعذبون بها «فَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ» أي: تكذيبهم وكفرهم بك، قيل: قولهم في القرآن: إنه شعر أو سحر «إِنَّا نَعْلَمُ» هذا وعيد متصل بما قبله، أي: لا تحزن إن كذبوك فالله ناصرك ومصدقك ويعود وبال تكذيبهم عليهم، فهو تسلية له ووعيد لهم، وقيل: تم الكلام عند: «قَوْلُهُمْ»، ثم ابتدأ «إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّون وَمَا يُعْلِنُونَ» أي: ما يفعلون ظاهرًا وما يضمرون، وقيل: شركهم وقولهم في الله. «أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ» هو ماء الرجل «فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ» أي: بعد أن كان نطفة مهينًا صيرناه خلقًا عجيبًا ذا بيان ومخاصمة وحواس وقلب وبطن ومعرفة، يعني: من تفكر في هذا عرف أن مَنْ قدر على هذا قدر على الإعادة «وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ» أي: بُدُوَّ أَمْرِهِ حيث لم يكن فخلقه الله تعالى، فالإعادة كالابتداء. ثم فسَّر المثال، فـ «قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ» أي: بالية «قُلْ» يا محمد: «يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا» خلقها ابتداء من غير شيء «أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ» أي: يجمع بين أجزائه فيحييها بقدرته «الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا» قيل: في