التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {والصافات صفا 1 فالزاجرات زجرا 2 فالتاليات ذكرا 3 إن إلهكم لواحد 4 رب السماوات والأرض وما بينهما ورب المشارق 5 إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب 6 وحفظا من كل شيطان مارد 7 لا يسمعون إلى الملإ الأعلى ويقذفون من كل جانب 8 دحورا ولهم عذاب واصب 9 إلا من خطف الخطفة فأتبعه شهاب ثاقب 10}

صفحة 5910 - الجزء 8

  وتدل أن السماء الدنيا مختص بالزينة دون السماوات الأخر.

  وتدل أن الشياطين مُنِعوا من الاستماع بالشهب.

  ومتى قيل: كيف يصح وهم عقلاء أن يروموا الاستراق مع العلم بالمنع والهلاك؟

  قلنا: تارة يهلكون وأخرى يَسْلَمون، فلتجويز السلامة يقدمون على ذلك كراكب البحر.

  ومتى قيل: ما غرضهم بالاستماع حتى عَرَّضوا أنفسهم لهذا الخطر؟

  قلنا: أن يوردوا على ضعفائهم ما يوهمون أنهم يعلمون الغيب، فتحصل لهم الرتبة العظيمة وهم يلقون بالوسوسة إلى ضعفاء الإنس، وهذا كما يفعله علماء السوء وأئمة الضلال لحب الرئاسة.

  ومتى قيل: هذه كانت أم حصلت في أيام الرسول؟ وهل هي معجزة له أم لا؟

  قلنا: كانت نزرة، ثم كثرت في أيامه، معجزة له حتى صارت كالمعتاد، ثم على قول من لا يُجوِّزُ كون المعجزة باقية بعد الرسُول قالوا: عادت كما كانت، وعلى قول من يجوز يقول: غير ممتنع أن تبقى الشهب على كثرتها.

  ومتى قيل: الشهب كواكب أم غيرها؟

  قلنا: منهم من قال: هي ثابتة وضوؤها، يحدثها الله تعالى فتنقض عليهم، فأما الكواكب فلا تزول عن أماكنها، عن أبي علي، والقاضي. وقيل: يحتمل أنه تعالى يحرك بعض الكواكب عن مواضجها ويصيرها شهبًا، وقيل: الشهاب: نار تحرقهم وتهلكهم، وقيل: بل تبعدهم عن مواضع الملائكة ولا تأتي عليهم.

  ومتى قيل: فما تقولون في الكواكب التي هي زينة، والتي هي تسير؟

  قلنا: الذي يقوله مشايخنا: إنه تعالى خلق سبعة أفلاك وعليها النجوم السيارة، ثم خلق فوق الأفلاك سبع سماوات، وهي مقر الملائكة، وفيها الجنة، وفوقها العرش، وزين التي تلي الأرضَ بالكواكب.

  وتدل أن الشياطين والجن مكلفون.