التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {فاستفتهم أهم أشد خلقا أم من خلقنا إنا خلقناهم من طين لازب 11 بل عجبت ويسخرون 12 وإذا ذكروا لا يذكرون 13 وإذا رأوا آية يستسخرون 14 وقالوا إن هذا إلا سحر مبين 15 أإذا متنا وكنا ترابا وعظاما أإنا لمبعوثون 16 أوآباؤنا الأولون 17 قل نعم وأنتم داخرون 18 فإنما هي زجرة واحدة فإذا هم ينظرون 19 وقالوا ياويلنا هذا يوم الدين 20}

صفحة 5913 - الجزء 8

  «وِإذَا رَأَوْا آيَةً» أي: حجة ومعجزة، قيل: انشقاق القمر، وقيل: سائر الحجج «يَسْتَسْخِرُونَ» أي: يستدعي بعضهم بعضًا إلى إظهار السخرية، وقيل: يسخرون، وقيل: حسبوه سخرية؛ كقولهم: استحسنه أي: حسبه حسنًا «وَقَالُوا إِنْ هَذَا» أي: القرآن وسائر ما يذكره الرسول «إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ» أي: تمويه ظاهر «أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ» أي: كيف نبعث بعدما صرنا ترابًا «أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ» أي: فكيف يبعث آباؤنا بعد أن صاروا ترابًا، و (أو) بمعنى الواو، وقيل لهم: «نَعَمْ» تبعثون بعد الموت والإفناء «وَأَنْتُمْ دَاخِرُونَ» قيل: صاغرون، عن الحسن، وقتادة، والسدي. وهذا على وجهين: أحدهما: تبعثون من غير امتناع، كما يقال: افعل وأنت صاغر، والثاني: تبعثون على وجه الصغار والقلة، «فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ» قيل: صيحة واحدة، وهي النفخة في الصور «فَإِذَا هُمْ يَنظُرُونَ» قيل: أحياء ينظرون، وقد كانوا لا حياة فيهم ولا يقدرون على النظر، عن أبي مسلم. وقيل: فإذا هم ينظرون إلى البعث الذي كذبوا به. وقيل: ينظرون إلى ما ينزل بهم، عن أبي علي. وقيل: ينظر بعضهم إلى بعض، وقيل: ينظرون ما يؤمرون به «وَقَالُوا» يعني: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ بعثوا «يَا وَيْلَنَا» يدعون بالويل لما عاينوا من العذاب «هَذَا يَوْمُ الدِّينِ» قيل: يوم الجزاء والحساب، وقيل: يوم الجزاء على الدين، فاعترفوا خاضعين نادمين.

  · الأحكام: تدل الآية على أنه تعالى خلق آدم من طين، وكان ترابًا، ثم صار طينًا، ثم حمأ، ثم صلصالاً إلى أن صار حيًا، فتدل على مدبر عليم.

  وتدل على وجوب التفكر في الأدلة وقبح الإعراض.

  وتدل على أن أهل النار يوم القيامة يندمون ويعترفون، ولكن لا ينفع؛ لأن التكليف زائل.

  وتدل على أن الصيحة علامة للبعث، وأنهم يبعثون عن قرب.

  وتدل على جهلهم في إنكار البعث.

  وتدل على أن السخرية فعلُهم.