التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {هذا يوم الفصل الذي كنتم به تكذبون 21 احشروا الذين ظلموا وأزواجهم وما كانوا يعبدون 22 من دون الله فاهدوهم إلى صراط الجحيم 23 وقفوهم إنهم مسئولون 24 ما لكم لا تناصرون 25 بل هم اليوم مستسلمون 26 وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون 27 قالوا إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين 28 قالوا بل لم تكونوا مؤمنين 29 وما كان لنا عليكم من سلطان بل كنتم قوما طاغين 30 فحق علينا قول ربنا إنا لذائقون 31 فأغويناكم إنا كنا غاوين 32}

صفحة 5916 - الجزء 8

  توبيخ لا مساءلة حساب، وقيل: عن لا إله إلا الله، عن ابن عباس. وقيل: عن خطاياهم، عن الضحاك. وقيل: جميع أفعالهم وأحوالهم، عن القرظي. وهو أوجه.

  «مَا لَكُمْ لاَ تَنَاصَرُونَ» يقال لهم توبيخًا: ما لكم لا ينصر بعضكم بعضًا في دفع العذاب؟ وقيل: هو جواب أبي جهل لما قال يوم بدر: نحن جميع منتصر. «بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ» قيل: خاضعون، عن ابن عباس. وقيل: منقادون، عن الحسن. وقيل: ملقون بأيديهم، عن الأخفش. وقيل: استسلموا لما لم يستطيعوا دفعًا «وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ [يَتَسَاءَلُونَ]» قيل: الأتباع والمتبوع، وقيل: أقبل الإنس على الجن، و «قَالُوا» يعني: الأتباع للرؤساء والمتبوعين «إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ» أي: من جهة النصيحة واليمن والبركة والعمل الذي يتيمن به من وجه يؤمن منكم، والعرب تتيمن بما جاء من اليمين، عن أبي علي. وقيل: من قبل اليمين فتضلوننا عنه، عن الضحاك. وقيل: عن صراط الحق، عن مجاهد. وقيل: عن القوة والقدرة، وقيل: تصدوننا عن طريقة أصحاب اليمين؛ يعني لما فرق الناس يوم القيامة قالت الأتباع للمتبوعين: أنتم صددتمونا عن أصحاب اليمين، أي: أصحاب الجنة. وقيل: تصدوننا عن طريق الجنة والنجاة، واليمين المعني هاهنا هو المعني بقوله: {وَأَصْحَابُ اليَمِينِ}⁣[الواقعة: ٢٧] عن أبي مسلم. «قَالُوا» يعني: الرؤساء مجيبين «بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ» أي: ما كنتم مؤمنين فرددناكم عن الإيمان، وقيل: معناه: أنتم أهملتم أنفسكم فكيف توركون الذنب علينا؟ «وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ» أي: قوة نُكْرِهُكُمْ على الكفر فتكونوا مجبورين؛ بل باختياركم اتبعتمونا. وقيل: من حجة لأجلها قدرتمونا لكن للإلف والهوى فعلتم «بَلْ كُنْتُمْ قَوْمًا طَاغِينَ» أي: جاوزتم الحد في العصيان «فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا» أي: وجب علينا وعيده «إِنَّا لَذَائِقُونَ» العذاب «فَأَغْوَيْنَاكُمْ» قيل: جنبناكم من رحمة الله «إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ» جانبين، عن أبي علي. وقيل: دعوناكم إلى الضلال لأنا كنا ضالين، يعني: رضينا لكم ما رضينا لأنفسنا؛ لكنا ظننا أنا على حق، فإذا نحن على الضلال داعين إلى الضلال.