التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {فأقبل بعضهم على بعض يتساءلون 50 قال قائل منهم إني كان لي قرين 51 يقول أإنك لمن المصدقين 52 أإذا متنا وكنا ترابا وعظاما أإنا لمدينون 53 قال هل أنتم مطلعون 54 فاطلع فرآه في سواء الجحيم 55 قال تالله إن كدت لتردين 56 ولولا نعمة ربي لكنت من المحضرين 57 أفما نحن بميتين 58 إلا موتتنا الأولى وما نحن بمعذبين 59 إن هذا لهو الفوز العظيم 60 لمثل هذا فليعمل العاملون 61}

صفحة 5924 - الجزء 8

  قَرِينٌ» أي: صاحب في الدنيا، قيل: شيطانًا، عن مجاهد. وقيل: كان من الإنس، عن جماعة. ثم اختلفوا، فقيل: كانا أخوين، عن مقاتل. وقيل: شريكين، عن ابن عباس. وقيل: رجلان قص الله حْبرهما في سورة (الكهف) {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ}⁣[الكهف: ٣٢] الآيات، وكان أحدهما مؤمنًا يسمى يهوذا، والآخر كافرًا يسمى أبو قطروس، وقيل: هذا في كل قرين سوء يصاحب مسلمًا «يَقُولُ يعني: القرين «أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ» بالبعث «أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا» في الأرض «وَعِظَامًا» بالية «أَإِنَّا لَمَدِينُونَ» مخرجون ومحاسبون «قَالَ» هذا المؤمن «هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ» على أهل النار، وقيل: بل قاله اللَّه تعالى وقيل: الجنة في السماء والنار في الأرض، عن الحسن. «فَاطَّلَعَ» هذا المؤمن فرأى قرينه «فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ» في وسط النار، عن ابن عباس، والحسن، وقتادة. وقيل: لهم في هذا الاطلاع، وما يرون من أحوال أهل النار سرور زائد ولذة، ولا تلحقهم مشقة. وقيل: سرورهم في توبيخ أهل النار {قَالَ} هذا المؤمن: «تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ» أيها القرين «لَتُرْدِينِ» أي: تهلكني كما أهلكت نفسك به «وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي» أي: ما أنعم به علي من اللطف والعصمة والهداية حتي آمنت «لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ» في النار كما حضرت، ثم زاد في التوبيخ فقال: «أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ. إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولَى» يعني: موتتنا الأولى في الدنيا، قيل: هذا يقوله المؤمنون للملائكة عند ذبح الموت على طريق الاستفهام، وتقول الملائكة: لا، والأول الوجه لأنه نسق الكلام، ويجوز الثاني أيضًا، فأما الثالث فبعيد؛ لأن أهل الآخرة يعلمون دوام النعيم ودوام العقاب، فكان لهم سرورًا وبشارة، يقول بعضهم لبعض أو لأهل النار: أما ينقطع عنا هذا النعيم بالموت أفيدوم وما نحن فيه؟ ومن أنكر دوام الثواب والعقاب كفر. وما روي من ذبح الموت هو مَثَلٌ وإلا فالموت عرض لا [يعد] حيوانًا فهو كبش يسمى موتًا ذبح من غير أية أَلمٍ تنبيهًا على الخلود فعلى هذا يحمل الخبر «وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ» على ما سلف منا، ولما رأوا تلك النعم قالوا: «إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ» يعني: النُّجْحَ والفلاح والظفر بالأماني، قيل: مسرورًا، وقيل: زيادة لتوبيخ الكفار وغيظهم «لِمِثْلِ