التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {أذلك خير نزلا أم شجرة الزقوم 62 إنا جعلناها فتنة للظالمين 63 إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم 64 طلعها كأنه رءوس الشياطين 65 فإنهم لآكلون منها فمالئون منها البطون 66 ثم إن لهم عليها لشوبا من حميم 67 ثم إن مرجعهم لإلى الجحيم 68 إنهم ألفوا آباءهم ضالين 69 فهم على آثارهم يهرعون 70}

صفحة 5928 - الجزء 8

  لاستوحش منهم؟. فلذلك شبهها برؤوسهم، والأول أوجه وأحسن، وهو قول أبي مسلم وأبي علي.

  ومتى قيل: كيف تنبت الشجرة في النار؟

  قلنا: قيل: إنها شجرة في النار. وقيل: خالق النار يمنع النار من الإحراق كما يمنعها من الخَزَنَةِ. وقيل: في النار أشجار وثمار وبيوت ومأكول ومشروب وملبوس؟

  لكن جميعها عقوبة لأهلها.

  «فَإِنَّهُمْ» أي: أهل النار «لَآكِلُونَ مِنْهَا» من الشجرة «فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ» أي: يملؤون بطونهم حتى لا تحتمل زيادة.

  ومتى قيل: كيف يأكلون مع مضرتها؟

  قلنا: بهم من الجوع المفرط ما يزيد ضرره على ضرر هذه الشجرة، فيستريحون إلى أكله، فإذا أكلوا عطشوا العطش الشديد، فيشربون الحميم المشوب بكل مكروه، فيصير كلاهما عقوبة لهم، وقيل: بل يكلفون أكله عقوبة.

  «ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا» خلطًا ومزاجًا، يعني: مع حرارته شيب بما يشتد به كرهه، عن ابن عباس. وقيل: شرابًا، عن مقاتل. «مِنْ حَمِيمٍ» أي: ماء حار محرق «ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ» قيل: يكونون بمعزل من النار عند شرب الزقوم، فيعذبون به ثم يصيرون إلى النار، وقيل: (ثُمَّ) يعطف اللفظ لا المعنى، وقيل: (ثُمَّ) بمعنى قبل؛ أي: وقبل ذلك مرجعهم، قال الشاعر:

  قُلْ لِمَنْ سَادَ ثُمَّ ساد أَبُوهُ ... ثُمَّ قَدْ سَادَ قَبْلَ ذَلِكَ جَدُّهُ

  وقيل: (ثُمَّ) بمعنى الواو. «إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءَهُمْ ضَالِّينَ» أي: وجدوا آباءهم ضالين عن الحق «فَهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ» أي: آثار آبائهم إلى النار، عن قتادة، والسدي،