التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {أذلك خير نزلا أم شجرة الزقوم 62 إنا جعلناها فتنة للظالمين 63 إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم 64 طلعها كأنه رءوس الشياطين 65 فإنهم لآكلون منها فمالئون منها البطون 66 ثم إن لهم عليها لشوبا من حميم 67 ثم إن مرجعهم لإلى الجحيم 68 إنهم ألفوا آباءهم ضالين 69 فهم على آثارهم يهرعون 70}

صفحة 5927 - الجزء 8

  «فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ» قيل: امتحانًا وشدة [تنزل بهم]، قالوا: كيف تنبت الشجرة في النار؟ عن قتادة. وقيل: شدة عذاب لهم، عن أبي علي، وأبي مسلم. والفتنة: العقاب.

  ثم فسّر الشجرة، فقال: «إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ» أي: قعرها «طَلْعُهَا» أي: ثمرها «كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ» قال الحسن: أصلها في قعر الجحيم، وأغصانها في الدركات.

  ومتى قيل: كيف شبه برؤوس الشياطين، ولم يُرَ ذلك.

  قلنا: فيه أقوال:

  أولها: أن قبح منظرها [متصور] في النفس، يقال في الشيء المستقبح غاية القبح:

  كأنه شيطان، وكأنه رأس شيطان، عن ابن عباس، ومحمد بن كعب القرظي. والعرب قد تشبه بما لم يُرَ إذا تصوروا ذلك المعنى في النفس، قال امرؤ القيس:

  أَيَقتُلُنِي والمَشْرفِيُّ مُضَاجِعيْ ... وَمسْنُونَةٌ زُرْقٌ كَأنْيَابِ أَغْوَالِ

  فشبه النصال بأنياب الأغوال، ولم تُرَ.

  وثانيها: قيل: إنه شبهه برأس حية تسمى شيطانًا عند العرب، كريهة المنظر، قال الراجز:

  كَمِثْلِ شَيْطَانِ الحَمَاطِ أَعْرَفُ أي: له عرف.

  وثالثها: أنه شبه نبت يعرف برؤوس الشياطين، وقيل: هي شجرة قبيحة خشنة مرة منتنة تشبهها العرب برؤوس الشياطين، عن قطرب.

  ورابعها: قيل: ذكَّر الله تعالى بَتَشُّوهِ الشياطين في النار، حتى لو رآهم أحد