التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ولقد ضل قبلهم أكثر الأولين 71 ولقد أرسلنا فيهم منذرين 72 فانظر كيف كان عاقبة المنذرين 73 إلا عباد الله المخلصين 74 ولقد نادانا نوح فلنعم المجيبون 75 ونجيناه وأهله من الكرب العظيم 76 وجعلنا ذريته هم الباقين 77 وتركنا عليه في الآخرين 78 سلام على نوح في العالمين 79 إنا كذلك نجزي المحسنين 80 إنه من عبادنا المؤمنين 81 ثم أغرقنا الآخرين 82}

صفحة 5931 - الجزء 8

  · المعنى: «وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ» أي: قبل هَؤُلَاءِ كفر أكثر الأمم الماضية تقليدًا وإلفًا لدين الآباء «وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا فِيهِمْ مُنذِرِينَ» أي: رسلاً تخوفهم عذاب الله «فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ» الكافرين «إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ» لما أطاعوا عصمهم اللَّه تعالى «وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ» يعني: لما أيس من إيمان قومه دعا الله بالفرج، والدعاء والنداء بمعنى «فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ» يعني: أجبناه، ومعنى (نعم المجبيب) أي: أسرع في الإجابة كما سأل وبالغ في تحصيل المراد، وقيل: معناه: أنعم بإجابته، أي: أحسن، عن أبي مسلم. «وَنَجَّينَاهُ وَأَهْلَهُ» خلصناهم في السفينة، وهم المؤمنون «مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ» قيل: من أذى قومه؛ لأن قوله: «ونجيناه» يقتضي أمرًا متقدمًا على الغرق، ولأنه عطف عليه. «ثُمَّ أَغْرَقْنَا»، وقيل: هو الغرق، عن السدي. «وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ» يعني: بعد الغرق، روي عن النبي، ÷ في هذه الآية: «أن الذرية من سام وحام ويافث». وقيل: الناس من بعد نوح من ذريته، عن ابن عباس، وقتادة. وقيل: العرب والعجم والروم أولاد سام، والترك والخرز والصقالبة ويأجوج أولاد يافث، والسودان أولاد حام، عن سعيد بن المسيب. وقيل: لما خرج نوح من السفينة مات من كان معه من الرجال والنساء إلا ولده ونساءهم، عن ابن عباس. وقيل: الَّذِينَ كانوا مع نوح سبعة نفر «وَتَرَكْنَا عَلَيهِ فِي الآخِرِينَ» أي: أبقينا له فيمن بعده من الأنبياء والمؤمنين والأمم ثناء جميلاً وذكرًا حسنًا، عن ابن عباس، ومجاهد، وقتادة. ويكون قوله: «سَلاَمٌ عَلَى نُوحٍ» كلام الله تعالى على غير جهة الحكاية، وقيل: تركنا عليه هَؤُلَاءِ «سَلاَمٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ»، عن الفراء. وقيل: المراد بالآخرين أمة محمد وهو الأولى؛ لأن الثناء والتسليم إنما يصح على لسان أهل الحق دون الباطل من اليهود والنصارى، وقيل: أراد أهل الملل من المسلمين واليهود والنصارى والمجوس