التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وإن من شيعته لإبراهيم 83 إذ جاء ربه بقلب سليم 84 إذ قال لأبيه وقومه ماذا تعبدون 85 أئفكا آلهة دون الله تريدون 86 فما ظنكم برب العالمين 87 فنظر نظرة في النجوم 88 فقال إني سقيم 89 فتولوا عنه مدبرين 90 فراغ إلى آلهتهم فقال ألا تأكلون 91 ما لكم لا تنطقون 92 فراغ عليهم ضربا باليمين 93 فأقبلوا إليه يزفون 94 قال أتعبدون ما تنحتون 95 والله خلقكم وما تعملون 96 قالوا ابنوا له بنيانا فألقوه في الجحيم 97 فأرادوا به كيدا فجعلناهم الأسفلين 98}

صفحة 5936 - الجزء 8

  اليمنى؛ لأنها أقوى على العمل، عن الربيع بن أنس. وقيل: بالقسم الذي سبق به وهو قوله: {وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ}⁣[الأنبياء: ٥٧] وإنما قال: «عَلَيهِمْ»؛ لأنهم بعبادتهم أجروها مجرى المعبودين فأجرى عليها عبارتهم «فَأَقْبَلُوا» من عيدهم «إِلَيهِ» إلى إبراهيم، وقيل: إلى بيت أصنامهم بعد الفراغ من عيدهم «يَزِفُّونَ» قيل: يسرعون، عن الحسن، وابن زيد، وأبي مسلم. وقيل: يمشون، عن السدي. وقيل: يزفون زفيف النعام، وهو حال بين المشي والعَدْو، عن مجاهد. وقيل: يمشون على مهل، عن أبي علي. وقيل: يسعون، عن الضحاك. والمعنى: أقبلوا منكرين لصنيعه. وقيل:

  حملوه إلى بيت أصنامهم وقالوا: {أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَاإِبْرَاهِيمُ}⁣[الأنبياء: ٦٢]، فأجابهم على وجه الحجاج: «أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ» يعني: كيف ترضون لأنفسكم أن تنحتوا صنمًا من خشب ثم تعبدونها، وتتركون عبادة خالق الأشياء؟! «وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ» أيها القوم «وَمَا تَعْمَلُونَ» أي: تعملون فيها وهي الأصنام، ولم يُرِدْ أعمالهم؛ لأن المعبود هو الخشب دون عملهم، ولأنه احتج عليهم فلا يجوز أن يورد حجة لهم عليه، ولأنه أضاف إليهم، ويقال: فلان يعمل بابًا، والمراد يعمل فيه، وعلى هذا قوله: {تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا}⁣[طه: ٦٩] وإنما تتلقف المصنوع فيه، فلما عجزوا عن الحجة عدلوا إلى الوعيد تلبيسًا على العوام ف «قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ. فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا» أي: حيلة وتدبيرًا في إهلاكه وهو الإحراق، فنجاه الله منه ومنع النار عن الإحراق بأن فرقها في خلاف جهته، وجعل بينه وبين النار حائلاً «فَجَعَلْنَاهُمُ الأَسْفَلِينَ» المقهورين بإهلاكهم ونجاته، وقيل: أشرفوا عليه فرأوه سالمًا فانكسروا، وعلموا أنه لا ينفذ عليه كيدهم، فعلموا أنهم مغلوبون؛ فذلك قوله: «الأَسْفَلِينَ».

  · الأحكام: تدل الآيات على صحة الحجاج في الدين.

  وتدل أنه جعل سقمه علة في تأخره عنهم؛ ليتم مراده في كسر الأصنام.

  وتدل على أن الفعل في إظهار المقصود قد يكون أبلغ من القول؛ لذلك كسرها ووضع الفأس على عنق كبيرها، ثم أخذ يوبخهم، ولا دليل للمجبرة في قوله: {وَمَا تعمَلُونَ}؛ لأنا بَيَّنَّا ما قيل فيه.