التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وإن من شيعته لإبراهيم 83 إذ جاء ربه بقلب سليم 84 إذ قال لأبيه وقومه ماذا تعبدون 85 أئفكا آلهة دون الله تريدون 86 فما ظنكم برب العالمين 87 فنظر نظرة في النجوم 88 فقال إني سقيم 89 فتولوا عنه مدبرين 90 فراغ إلى آلهتهم فقال ألا تأكلون 91 ما لكم لا تنطقون 92 فراغ عليهم ضربا باليمين 93 فأقبلوا إليه يزفون 94 قال أتعبدون ما تنحتون 95 والله خلقكم وما تعملون 96 قالوا ابنوا له بنيانا فألقوه في الجحيم 97 فأرادوا به كيدا فجعلناهم الأسفلين 98}

صفحة 5935 - الجزء 8

  وقيل: إني سقيم؛ لما علي من الموت، فكأنه عدّ من يموت سقيمًا، كما يعد الدنيا فانية، وقيل: قال إني سقيم؛ لعلة عرضت له، وكان نجم في وقت طلوع نجم، فلما رآه طالعًا قال: إني سقيم لما علم أنه نجم تلك الساعة، ولا يمكنه الخروج إلى عندهم، وذكر بلفظ الماضي لوجوب وقوعه، كأنه قيل: سأسقم لا محالة، وقيل: سأسقم كقوله: {إِنَّكَ مَيِّتٌ}⁣[الزمر: ٣٠] عن الضحاك. والصحيح. أنه كان به سقم على ما تقدم، وقيل: نظر في علم النجوم، فغلب على ظنه أنه سيسقم كما يقال: فلان ينظر في الفقه والنحو، وقيل: إني سقيم في الدين على زعمكم بمخالفتكم إياي في الدين. وقيل: إنه كذب في ذلك ليتخلف عنهم، ورووا أنه كَذَبَ ثلاث كذبات هذه، وقال: {بَل فَعَلَهُ كَبِيرُهُم}⁣[الأنبياء: ٦٣] وقوله لسارة: أختي، وهذا باطل؛ لأن الكذب على الأنبياء لا يجوز؛ لأنه يرفع الثقة بقولهم.

  ومتى قيل: لأي معنى قال: {إِنِّي سَقِيمٌ

  قلنا: روي عن ابن عباس وجماعة أنه كان لهم عيد، وكانوا يقربون لأصنامهم قبل الخروج وإذا رجعوا أكلوه، فدعوه ليخرج معهم فقال: إني سقيم، لصحة علمهم بحاله في السقم؛ ولذلك لم يردوا عليه. «فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ» يذهبون إلى عيدهم، وقيل: لما دعاهم إلى التوحيد تولوا عنه معرضين، عن أَبي مسلم. «فَرَاغَ» أي: مال «إِلَى آلِهَتِهِمْ» على زعمهم، كقولك للمبطل: هات حجتك، قال مقاتل: بل كانت اثنين وسبعين صنمًا من أجناس، وكبيرهم من ذهب «فَقَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ» قيل: قال هذا بحضرة سدنتهم لَمَّا تحقق التوحيد، فأعرضوا عنه، قال ذلك توبيخًا لهم وتنبيهًا على بطلان ما هم عليه. وقيل: قاله بحضرة جماعتهم. وقيل: لما خرجت العامة قال ذلك للأصنام؛ لأنهم كانوا يضعون الأطعمة عندهم، فلما لم يردوا جوابًا قال: «مَا لَكُمْ لَا تَنْطِقُونَ» أي: ما لكم لا تجيبون، نبّه أنها أقل الأشياء وأخسها؛ لأنها جماد لا تأكل ولا تنطق «فَرَاغَ» أي: مال «عَلَيهِمْ ضَرْبًا» قيل: كسر الأصنام قبل الرجوع إلى منازلهم، فدخلوا فإذا هي مكسورة «بِالْيَمِينِ» قيل: بقوة، عن الفراء. أي: كسرهم بقوة وَحْدَهُ، قيل: باليد