التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ولقد مننا على موسى وهارون 114 ونجيناهما وقومهما من الكرب العظيم 115 ونصرناهم فكانوا هم الغالبين 116 وآتيناهما الكتاب المستبين 117 وهديناهما الصراط المستقيم 118 وتركنا عليهما في الآخرين 119 سلام على موسى وهارون 120 إنا كذلك نجزي المحسنين 121 إنهما من عبادنا المؤمنين 122}

صفحة 5944 - الجزء 8

  · اللغة: المن: أصله القطع، والمن: النعمة؛ لأنه يقطع كل أذية. و {أَجْرٌ غَيرُ مَمنُونٍ} أي: غير مقطوع. والمنية: الموت؛ لأنها تقطع تصرف الحي.

  والنصر والمعونة من النظائر، غير أن كل نصر معونة وليس كل معونة نصرًا، لأن النصر يخص المعونة على الأعداء، والمعونة تعم كل موضع.

  والمستبين: المستدعي إلى ما فيه البيان، وأصل البيان: الفصل بين الشيئين، وبانَ الشيء واستبان وأبانَ وتبَيَّنَ وبَيَّنَ بمعنى.

  · المعنى: ثم عطف بقصة موسى على ما تقدم، فقال سبحانه: «وَلَقَدْ مَنَنَّا» أي: أنعمنا «عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ» النعم، منها: النبوة، ومنها: النجاة من آل فرعون، ومنها: أورثهم أرضهم وديارهم، ومنها: سائر النعم في دينه ودنياه مما لا يمكن عدُّه، من جلب نفع أو سبب فيه أو دفع مضرة أو سبب فيه «وَنَجَّينَاهُمَا» أخلصناهما «وَقَوْمَهُمَا» يعني: بني إسرائيل ومن آمن به «مِنَ الْكرْب الْعَظِيمِ» هو استعباد فرعون إياهم «وَنَصَرْنَاهُمْ» على أعدائهم «فَكَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ» علَى فرعون وقومه.

  ومتى قيل: نصرته لهم كانت في كل وقت؟

  قلنا: نعم؛ لأنه كان راضيًا عنهم، وجعل العاقبة لهم، ولكن الظهور على الأعداء قد يختص ببعض الأوقات مصلحة.

  «وَآتَينَاهُمَا الْكِتَابَ الْمُسْتَبِينَ» البين الواضح وهو التوراة «وَهَدَيْنَاهُمَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ» هو دين الإسلام، عن قتادة. «وَتَرَكْنَا عَلَيهِمَا فِي الآخِرِينَ» قيل: الآخرة، وقيل: أمة محمد ÷ «سَلَامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ» قيل: ترك هو سلام عليهما، وقيل: إنه ابتداء سلام من الله عليهما، ومعنى سلام عليهما: سلامةٌ لهما في الدارين، وقيل: هو الثناء الحسن «إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ» أي: من عادته تعالى أن يجازي المحسن بالإحسان «إِنَّهُمَا مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ».