قوله تعالى: {فاستفتهم ألربك البنات ولهم البنون 149 أم خلقنا الملائكة إناثا وهم شاهدون 150 ألا إنهم من إفكهم ليقولون 151 ولد الله وإنهم لكاذبون 152 أصطفى البنات على البنين 153 ما لكم كيف تحكمون 154 أفلا تذكرون 155 أم لكم سلطان مبين 156 فأتوا بكتابكم إن كنتم صادقين 157}
  والاصطفاء: «افتعال» من الصفوة، قلبت التاء طاء، وأصله: إخراج الصفوة، اصطفى يصطفي اصطفاءً، وقد اجتمع فيه ألفان: ألف استفهام، وألف وصل، فلما دخلت ألف الاستفهام على ألف الوصل سقطت ألف الوصل، وهذه عادة العرب، قال شاعرهم:
  أَسْتَحْدَثَ الرَّكْبُ عَنْ أَشْيَاعِهِمْ خَبَرًا ... أَمْ رَاجَعَ الْقَلْبَ مِنْ أَطْرَابِهِ طَرَبُ
  وأصله: استحدث.
  · النزول: قيل: نزلت الآية في قريش كانوا يقولون: الملائكة بنات الله، عن قتادة، والسدي.
  وقيل: جهينة وبنو سليم زعموا ذلك.
  · المعنى: ثم عاد الكلام إلى الرد على مشركي العرب، فقال سبحانه: «فَاسْتَفْتِهِمْ» أي: سلهم يا محمد، وإنما هو سؤال إنكار وتوبيخ وإظهار لجهلهم لا بمعنى الرجوع إلى فتياهم «أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ» أي: كيف أجزتم لأنفسكم البنين، وأضفتم البنات إلى الله تعالى؟! وقيل: رُدَّ عليهم، وقل: هب أنكم جوزتم الولد عليه فكيف أضفتم اختيار الأدون إليه؟! وكانوا يقولون: الملائكة بنات الله، على وجه الاصطفاء لا على سبيل الولادة «أَمْ خَلَقْنَا الْمَلَائِكَةَ إِنَاثًا وَهُمْ شَاهِدُونَ» يعني: أشهدوا خلقهم؟ فيعلموا أنهم إناث أم ذكور؟! وهذا رد آخر عليهم.
  ثم بَيَّنَ كذبهم وخزيهم، فقال سبحانه: «أَلَا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ» أي: من كذبهم لا من علم وحجة «لَيَقُولُونَ. وَلَدَ اللَّهُ وَإنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ» في ذلك «أصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ» أي: كيف اختار الأدون مع كونه مالكًا حكيمًا «مَا لَكُمْ كيفَ تَحْكُمُونَ» خطاب للمشركين وإنكار عليهم؛ أي: كيف تصفون الله بما هو الأنقص، ولأنفسكم بما هو