التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا ولقد علمت الجنة إنهم لمحضرون 158 سبحان الله عما يصفون 159 إلا عباد الله المخلصين 160 فإنكم وما تعبدون 161 ما أنتم عليه بفاتنين 162 إلا من هو صال الجحيم 163 وما منا إلا له مقام معلوم 164 وإنا لنحن الصافون 165 وإنا لنحن المسبحون 166}

صفحة 5958 - الجزء 8

  لا نتجاوز وقيل: هذا قول جبريل للنبي ÷ لما عبدوا الملائكة، [قال]: كيف تعبدونهم وهم بهذه الصفة؟ وقيل: هذا قول النبي والمؤمنين، وقد تقدم ذكرهم في قوله: {إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ}، وتقديره: إلا عباد الله المخلصين فإنهم ما جعلوا بينه وبين الجنة نسبًا، ونزهوا الله، ويقولون للكفار: إنكم وما تعبدون من دون الله ما أنتم عليه بفاتنين، وإنكم أُتِيتُمْ من جهتكم فنزهوا الله [تعالى من طلب] مقامكم، فما منا ومنكم إلا وله مقام معلوم للمطالبة والمساءلة يوم القيامة، وفيه تحذير وزجر عن تلك المقالة «وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ» قيل: صافون في الصلاة، عن أبي علي. وقيل: صافون حول العرش ننتظر أمر الله، وقيل: صافون في الهواء بأجنحتنا للعبادة والتسبيح، عن أبي علي. «وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ» قيل: المنزهون لله عما لا يليق به. وقيل: المصلون، وسميت الصلاة تسبيحًا لما فيها من التسبيح.

  · الأحكام: تدل الآيات أن القوم لما لم يعرفوا الله حق معرفته جوزوا له اتخاذ الولد، وشبهوه بعباده، ولو عرفوه حق معرفته لَمَا أجازوا ذلك.

  ويدل قوله: {سُبْحَانَ اللَّهِ} على تنزيهه عن كل صفة وفعل لا يليق به.

  ويدل قوله: {فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ} أن كل من ضل بدعاء الشيطان يضل، وإن لم يدعه، ولو علم أنه لولا إضلاله لم يضل لكان الله يمنعه منه، عن أبي علي، وهذا بناه على أصله.

  ويدل على بطلان قول أصحاب اللطف؛ لأنه بيّن أنَّهم يضلون كيف بصرف الحال، وعندهم لو فعل اللطف لآمنوا.