التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {أياما معدودات فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين فمن تطوع خيرا فهو خير له وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون 184}

صفحة 763 - الجزء 1

  في سفر المعصية، وإذا سافر بعدما دخل الشهر أو قبله جاز له الفطر.

  واتفق الفقهاء أن الفطر في السفر رخصة، وإن صام جاز صومه إلا أن يبلغ الجهد. وعن عمر وابن عباس أن الفطر عزيمة، ثم اختلفوا، فالأكثر على أن الصوم أفضل من الفطر، وعن بعضهم الفطر أفضل، فأما المريض فقد بينا ما قيل فيه، والصحيح أن كل مريض يؤثر الصوم فيه فله أن يفطر، وسواء كان وجعًا أو حُمّى أو غيره.

  ويدل قوله: «فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ» على وجوب القضاء على المريض والمسافر، ولا خلاف فيه، وإنما الخلاف في موضعين إذا لم يقض حتى دخل رمضان آخر، فعندنا هو مسيء، وعليه القضاء فقط، وقال الشافعي: عليه مع القضاء الفدية. والثاني الحامل والمرضع إذا أفطرتا عليهما القضاء عندنا، وعند الشافعي القضاء والفدية.

  ولا خلاف أنه إذا لم يبرأ من مرضه، ولم يعد من سفره فلا قضاء عليه، فإذا عاد وبَرَأَ ولم يقض حتى مات أوصى به، ثم اختلفوا، فعتدنا تؤدى عنه الفدية ولا يصوم عنه أحد، وقال الشافعي: يصوم عنه وليه، واختلفوا في العدة، فقيل: التتابع شرط فيه، عن مالك بن أنس، وقيل: ليس بشرط، عن ابن عباس ومعاذ، وعليه أكثر الفقهاء.

  ويدل قوله: «وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقونَهُ فِدْيَة» على وجوب الفدية، قد بَيَّنَّا ما قيل فيه، وأن الأولى أن يحمل على أنه كان مخيرًا ثم نسخ و «يطيقونه» يعني الصوم.

  واختلفوا في الفدية، فقيل: مقدر بنصف صاع بر أو صاع من تمر أو شعير، عن أهل العراق، وقيل: مقدر بِمُدٍّ عن الشافعي.

  واتفقت الأمة أنه لا يجوز الفطر في رمضان إلا لعذر، والعذر ثلاثة: المرض، والسفر وعليهما القضاء فقط، والشيخ الهرم وعليه الفدية، فأما الحامل والمرضع فتدخل في عذر المرض، فأما إذا أفطر لغير عذر مقصود جنسه من جماع أو طعام فعليه التوبة والقضاء والكفارة العظمى.