التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {اصبر على ما يقولون واذكر عبدنا داوود ذا الأيد إنه أواب 17 إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والإشراق 18 والطير محشورة كل له أواب 19 وشددنا ملكه وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب 20}

صفحة 5981 - الجزء 8

  · النظم: يقال: كيف يتصل قوله: {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا} بما قبله؟

  قلنا: فيه وجوه:

  قيل: لما أمره بالصبر تسلية له ذكر قصة داود، وأخذ أبواب الذكر، عن أبي مسلم.

  وقيل: بشره بالظفر والتمكين إذا صبر، كما أعطى داود وسليمان وغيرهم.

  · المعنى: «اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ» يعني: هَؤُلَاءِ الكفار من الكفر والتكذيب، فوباله يعود عليهم «وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الأَيْدِ» قيل: ذو القوة، عن ابن عباس، ومجاهد، وقتادة. وقيل: ذو القوة في العبادة، وقيل: ذو القوة على الأعادي وقهرهم، وقيل: ذو النعمة العظيمة والتمكين العظيم «إِنَّهُ أَوَّابٌ» يعني: مع سلطانه كان أوابًا، قيل: مطيعًا، عن ابن عباس. وقيل: رَجَّاعًا إلى الله بالتوبة، عن الضحاك. وقيل: مُسَبِّحًا، عن سعيد بن جبير. وقيل: توابًا، عن مجاهد، وابن زيد. «إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ» الله، وكان إذا سبح داود سبحت الطير والجبال معه، يحتمل أنه تعالى خلق في الجبال التسبيح، ويحتمل أنه ينشئ فيها تنشئة فتسبح، فأما الطير فيجوز أن يلهمه التسبيح وإن كان غير مكلف كالمراهق، وقيل: كان يسير معه إذا سار، عن أبي علي.

  فلما كان سيرها دالاً على توحيد الله وعدله ومعجزة نبيه أضاف التسبيح إليها «بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ» بالصباح والرواح، وقيل: صلاة الضحى في كتاب الله وهو قوله: {وَالْإِشْرَاقِ}، وليس الإشراق طلوع الشمس إنما هو صفاؤها وضوؤها «وَالطَّيرَ» أي: وسخرنا الطير «مَحْشُورَةً» مجموعة من كل ناحية، وقيل: مسخرة، عن قتادة. ويحتمل أنه تعالى ألهمها حتى يجتمعوا عنده، ويحتمل أن الملائكة حشرت الطيور