التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وهل أتاك نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب 21 إذ دخلوا على داوود ففزع منهم قالوا لا تخف خصمان بغى بعضنا على بعض فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط واهدنا إلى سواء الصراط 22 إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة فقال أكفلنيها وعزني في الخطاب 23 قال لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه وإن كثيرا من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم وظن داوود أنما فتناه فاستغفر ربه وخر راكعا وأناب 24 فغفرنا له ذلك وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب 25}

صفحة 5989 - الجزء 8

  فأما ما ترويه الحشوية - نعوذ بِاللَّهِ منه -: فزعموا أنه تعالى ابتلى داود بامرأة أوريا، واختلفوا ما السبب فيه، فقال بعضهم: إنه تمنى على ربه منزلة آبائه فقال: لقد ابتليتهم بما لم تُبْتَلَ به، فسأل الله تعالى أن يبتليه، فابتلاه بالحمامة.

  وقال بعضهم: بل كان جعل أيامه أربعة أجزاء: يومًا لنسائه، ويومًا للعبادة، ويومًا لبني إسرائيل يذاكرهم، ويومًا للقضاء وفصل الخصومات، فتذاكروا يومًا، وقالوا: هل يأتي على الإنسان يوم لا يصيب فيه ذنبًا؟ فأضمر داود أنه سيطيق ذلك، فدخل محرابه وغلق أبوابه، فابتلاه الله بالحمامة. وقيل: بل قال لما ملك أمر بني إسرائيل: والله لأعدلن بينكم، ولم يستثنِ، فابتلي بالحمامة.

  وقيل: أعجب داود بعمله فنهي عن ذلك، وأتاه جبريل وقال: إن أعجبت ثانيًا وكلتك إلى نفسك، فقال: يا رب كلني إلى نفسي سنة، فقال: إنها لكثيرة، فقال: شهرًا، فقال: كثير، فقال: أسبوعًا، فقال: إنها لكثير، فقال: يومًا، فقال: إنه لكثير، قال: ساعة، قال: شأنك بها، فدخل المحراب ووضع الزبور يقرأ، ووكل الحراس، فابتلي بالحمامة. فهذا اختلافهم في سبب الابتلاء، وإن كان بعضهم فيها كبيرة.

  ثم اختلفوا في الحمامة، فقيل: جاءه الشيطان تمثل في صورة حمامة من ذهب فيه كل لون حسن.

  وقيل: بل كانت حمامة من ذهب، قالوا: فلما رأى الحمامة مد إليها يده ليأخذها، وقيل: ليدفعها إلى ابن له صغير، فتنحت الحمامة، فتبعها داود، فما زال يتبعها حتى وقعت في دار أوريا، وإذا امرأته عريانة تغتسل كأجمل ما تكون، فعشقها، فسأل عنها، فقيل: إنها امرأة أوريا، وكان أوريا في غزاة، فكتب إلى صاحب جيشه أن يقدمه أمام التابوت، وكان كل من قدم لا يحل له أن يرجع حتى يقتل أو يفتح، فما