قوله تعالى: {وهل أتاك نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب 21 إذ دخلوا على داوود ففزع منهم قالوا لا تخف خصمان بغى بعضنا على بعض فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط واهدنا إلى سواء الصراط 22 إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة فقال أكفلنيها وعزني في الخطاب 23 قال لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه وإن كثيرا من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم وظن داوود أنما فتناه فاستغفر ربه وخر راكعا وأناب 24 فغفرنا له ذلك وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب 25}
  زال يقدم حتى قتل، وتزوج بامرأته، وهي أمّ سليمان، وبعث الله إليه الملَكين، وتنبه داود فتاب وبكى، وجعل يتضرع حتى نبت الزرع من دموعه، فأمره الله تعالى أن يأتي قبر أوريا، فأتى أوريا، فأحياه الله، وقال: ما جاء بك يا نبي الله؟ فقال: اجعلني في حل مما كان مني إليك، قال: وما هي؟ قال: قدمتك لتقتل، فقال: عرضتني للشهادة والجنة، أنت في حل، فأوحى الله تعالى إليه: قل له ما صنعت، فرجع إلى أوريا وناداه، وأحياه الله تعالى، وعرض عليه القصة، وقال: فعلت بك كذا لمكان امرأتك، فسكت أوريا ولم يتكلم، فأعاد داود الكلام ثلاث مرات لم يجبه أوريا، فقام وجعل يحثو التراب على رأسه ويبكي ويتضرع حتى نودي: غفرت لك، وسأرضي عنك أوريا.
  وروي أن داود قال: يا ربّ بكيت عَلى خطيئتي كذا وكذا، فقال: يا داود تَذْكُرُ عَبْرَتَكَ ولا تذكر عثرتك؟
  فكل هذه روايات باطلة، ولعلها من دسيس الملحدة؛ لينفروا الناس عن الأنبياء، والله تعالى جعل أنبياءه حجة على عباده، ونزههم عن كل منفر وكل كبيرة، فلا يجوز على داود، وهو نبي مثل هذه الروايات، بل تجويزه عليه كفر؛ لأنه استخفاف به، فكيف يجوز على نبي من أنبياء الله تعالى أن يقول لربه: كلني إلى نفسي، وهذا لا يقوله واحد من عامة الناس؟! والعجيب أنهم يرون هذا وعندهم كيف يكله، وهو خالق أفعاله؟! وكيف وكله إلى نفسه، وهو الذي أوقعه في هذه الفتنة؟! وقد قال بعض مشايخنا: إن قوله: «وظن» يدل أن الذنب كان مظنونًا، وأنه لم يتعمد، وكيف يجوز أن يُقَدِّمَ رجلاً مسلمًا ليقتل لأجل امرأة، ولو فعل هذا بعض الفساق قبح منه، فكيف وهو نبي من أنبياء الله تعالى؟! ولأن إرادة قتل المسلم تَعْظُمُ.
  فأما ما روي عن داود من البكاء والتضرع لأجل صغيرة مغفورة فلا يبعد، كما روي أن النبي ÷ كان يجتهد كل الجهد، ويبكي ويدعو ويتضرع حتى قيل له في ذلك، فقال: «أفلا أكون عبدًا شكورًا».