قوله تعالى: {ولقد فتنا سليمان وألقينا على كرسيه جسدا ثم أناب 34 قال رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي إنك أنت الوهاب 35 فسخرنا له الريح تجري بأمره رخاء حيث أصاب 36 والشياطين كل بناء وغواص 37 وآخرين مقرنين في الأصفاد 38 هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب 39 وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب 40}
  ومتى قيل: أليس وصف الريح بالعاصف في قوله: {وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً}[الأنبياء: ٨١]؟
  قلنا: مرة عاصفة ومرة لينة بحسب إرادة سليمان معجزة.
  «وَالشَّيَاطِينَ» أي: وسخرنا الشياطين «كُلَّ بَنَّاءٍ» يبنون له ما أراد «وَغَوَّاصٍ» يغوص البحر، ويستخرجون اللآلئ والحلي، عن قتادة. وقيل: هو استخراج اللؤلؤ من البحر «وَآخَرِينَ» وهم الكفرة المردة منع شرهم «مُقَرَّنِينَ» مشدودين «فِي الأصفَادِ» قيل: القيود، وقيل: الأغلال، وقيل: السلاسل تجمع اليدين إلى العنق، عن السدي.
  ومتى قيل: كيف سخر الشياطين؟
  قلنا: يحتمل أنه تعالى سلط عليهم الملائكة أو مؤمني الجن، ويحتمل أنه سخرهم لسليمان بأن ألقى في قلوبهم الرعب، فأطاعوا كما تطيع الأنعام والدواب.
  ومتى قيل: فكيف عملوا تلك الأعمال مع لطافة أجسادهم؟
  قلنا: يحتمل أنه كَيَّفَ أجسادهم، وقواهم على تلك الأعمال معجزة له.
  ومتى قيل: فإلى ماذا آل حالهم؟
  قلنا: ماتوا وتفانوا كالممسوخ من بني إسرائيل؛ لأن في بقائهم فسادًا، وخلاف ما يعتقد فيهم. وقيل: يعيدهم إلى اللطافة.
  «هَذَا عَطَاؤُنَا» لك يا سليمان «فَامْنُنْ» أعط «أَوْ أَمْسِكْ» لا تعطِ «بغَيرِ حِسَابٍ» قيل: لما كان البذل والإمساك يدخل فيه الحساب أزال الحساب عنه، أي: أعط كما شئت وأمسك كما شئت، وقيل: «بغَيرِ حِسابٍ» بغير تقدير، فإنه تعالى لم يحدّ له حدًّا، ولكن أباح الإعطاء والإمساك، فأما في الآخرة ففيه الحساب؛ لأنه طاعة، قال