التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وقالوا ما لنا لا نرى رجالا كنا نعدهم من الأشرار 62 أتخذناهم سخريا أم زاغت عنهم الأبصار 63 إن ذلك لحق تخاصم أهل النار 64 قل إنما أنا منذر وما من إله إلا الله الواحد القهار 65 رب السماوات والأرض وما بينهما العزيز الغفار 66}

صفحة 6021 - الجزء 8

  أم مالت أعيننا عنهم، على وجه التكذيب، أي: كنتم كاذبين في ذلك، يوبخونهم، ويظهرون الحسرة على متابعتهم، وقيل: معناه: أتخذناهم سخريًّا ورأيتهم على ذلك، أم زاغت أبصارنا عن حالهم؟ قالوه تحسّرًا وندمًا لا شكّا، وقيل: إنهم قالوا ذلك على سبيل النياحة، كما تقول أُمُّ الميت: ما لي لا أراك في الدار التي بوأتها لك ومجلسك الذي قدرت لك؟! ما بالي لا أراك؟ غبت عنها أم أنت فيها وأنا لا أراك؟! تحسر وتندم لا استفهام.

  ومتى قيل: ظاهر اللفظ الشك؟

  قلنا: مَنْ حَمَلَهُ على الشك فلا سؤال، ومن حمله على الخبر يقول: لا شبهة أن في القيامة يعلم حالهم للانتصاف وللعداوة كما قلنا، فنقول: هو إما توبيخ للقادة أو تحسر على سبيل النوح، أو تعجب كقوله: {أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ}، وكرجل رأى فقيرًا ثم رآه مَلِكًا فقال: أهذا في النوم أم في اليقظة؟ يريد التعجب، كأنهم قالوا: العجب أنا كنا نسخر منهم والآن هم في هذه الحالة، وهذا معنى آخر في الآية.

  «إِنَّ ذَلِكَ» أي: الذي ذكرت «لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ» يعني: مخاصمتهم على ما تقدم، وقيل: مخاصمتهم قولهم: لا مرحبًا بكم، وقيل: قولهم: اتخذناهم، «قُلْ إِنَّمَا أَنَا مُنْذِرٌ» مخوف بهذه الأحوال «وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ» الواحد في الإلهية وصفاته، القهار القادر على ما يشاء «رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَينَهُمَا الْعَزِيزُ» القادر الذي لا يمتنع عليه شيء، ومع قدرته وعظمة ملكوته غفار يستر ذنوب عباده.

  · الأحكام: تدل الآية على مخاصمة تجري بين أهل النار، وكل ذلك تحسر وتلهف على ما خلفوا لأنفسهم.