قوله تعالى: {إذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من طين 71 فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين 72 فسجد الملائكة كلهم أجمعون 73 إلا إبليس استكبر وكان من الكافرين 74 قال ياإبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي أستكبرت أم كنت من العالين 75 قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين 76 قال فاخرج منها فإنك رجيم 77 وإن عليك لعنتي إلى يوم الدين 78}
  تعالى ذلك، يقال سبحانه: «إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا» يعني: آدم «مِنْ طِينٍ» وإنما تصير تلك الأجزاء بشرًا بما يخلق فيه من التأليف والحياة والرطوبات ونحوها، فلا يعترض عليه قول من قال بانقلاب الأعيان «فَإِذَا سَوَّيْتُهُ» أي: خلقته، وتم خلقي إياه «وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي» أي: أحييته وجعلت فيه الروح، وهو النفس المتردد، وأضاف النفخ إليه؛ أي: توليت جميع ذلك من غير سبب وواسطة «فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ»، وقد بَيَّنَّا ما قيل فيه، وأنه سجدة التحية لا سجدة العبادة، وقيل: إنه قبلة السجدة وهي لله تعالى «فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ» لأنه مأمور معهم بالسجود ولم يكن منهم؛ بل كان من الجن على ما قال تعالى، وخلق من النار، والملائكة من الريح «اسْتَكْبَرَ» أي: ترفع من السجود لآدم تكبرًا «وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ» قبل ذلك «قَالَ يَاإِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ» قيل: خلقت من غير واسطة، عن أبي علي؛ نحو قوله: {مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا}[يس: ٧١] وقيل: خلقته بقدرتي، عن أبي مسلم. قال مجاهد: اليد هاهنا بمعنى التأكيد والعلم كقوله: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ}[الرحمن: ٢٧] أي: ربك. وقيل: «بِيَدَيَّ» أي: بنعمتيَّ: نعمة الدين ونعمة الدنيا، أو نعمته الظاهرة والباطنة، والباء بمعنى اللام، أي: خلقته للدين والدنيا، ليكون هو وذريته خلفاء الأرض.
  ومتى قيل: هلا جعلتموه على الجارحة كما تزعمه المشبهة؟
  قلنا: الله تعالى ليس بجسم، ولا يجوز عليه النقص، ولو أوجبت هذه الآية إثبات يدين لوجب بقوله {أَيْدِينَا}[التوبة: ٥٢] إثبات أَيْدٍ.
  ومتى قيل: يده لا تشبه أيدينا.
  قلنا: فذاك ليس بيد معقول.
  ومتى قيل: هلا حملتم على أنهما صفات له على ما تزعمه الكلابية؟
  قلنا: وذلك خطأ لغة ومعنى، أما اللغة: فلا يعقل فيهما بمعنى الصفة، وأما