التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون 10}

صفحة 248 - الجزء 1

  · المعنى: ثم وصف اللَّه تعالى المنافقين بصفة أخرى، فقال: «فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ» قيل: شَكّ، عن ابن عباس وابن مسعود والحسن وجماعة، «فَزَادَهُمُ اللَّه مَرَضًا» قيل: بما أنزل اللَّه من الفرائض والحدود، وقيل: بما أنزل من الآيات والحجج، فشكوا عندها، فأضاف. ذلك إليه، وإن كان الشك منهم؛ لأنه وجد عند نزول الآيات، وما زاده من الحجج، ونظيره قوله: {وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ} والآيات لم تزدهم رجسًا، ولكن ازدادوا عندها، كقوله: {فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا ٦}، وكقوله: {رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ} وقيل: في قلوبهم غم بتمكين النبيّ ÷ ونزوله بالمدينة، وما فتح اللَّه عليه، وظهور المسلمين، وكثرة الفتوح، فزادهم غمًّا بما زاده من القوة والتمكين، وبما أخذ من النصر والتأييد، عن أبي علي، وأنكر الوجه الأول، وذكر أنه تعالى لا يجوز أن يزيدهم شَكًّا في الدين، وقد بينا أن له وجهًا صحيحًا، فلا معنى لإنكاره، مع أنه مَرِوْيّ عن جماعة من السلف، وقيل: «فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ» أي شك ونفاق «فَزَادَهُمُ اللَّه مَرَضًا» يعني عاقبهم على ذلك وزادهم عقوبة على عقوبة غيرهم بسببه فسمي جزاء المرض مرضًا كقوله: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} قال الشاعر:

  أَلاَ لاَ يَجْهَلَنْ أَحَدٌ عَلَيْنَا ... فَنَجْهَلَ فَوْقَ جَهْلِ الجاهلينا

  أي: نكافئهم على الجهل؛ إذ الجهل لا يُتَمَدَّحُ به، ومثله: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّه} {فَيَسخَرُونَ مِنهُم سَخِرَ اللَّه مِنهُم} ونظائره كثيرة، وقيل: «فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ» أي حزن بنزول القرآن بفضائحهم «فَزَادَهُمُ اللَّه مَرَضًا» بأن زاد في إظهار مخازيهم، ويخبر عن ضمائرهم، فيزدادون غمًّا ومرضًا، وسمي الغم مرضًا لأنه يُضَيِّقُ الصدرَ كما يضيقه المرض، فقيل: فزاده اللَّه مرضًا على جهة الدعاء عليهم، كقولهم: {ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّه قُلُوبَهُمْ} كأنه دعاء عليهم بأن يخليهم وما اختاروه، ولا