التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {خلقكم من نفس واحدة ثم جعل منها زوجها وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقا من بعد خلق في ظلمات ثلاث ذلكم الله ربكم له الملك لا إله إلا هو فأنى تصرفون 6 إن تكفروا فإن الله غني عنكم ولا يرضى لعباده الكفر وإن تشكروا يرضه لكم ولا تزر وازرة وزر أخرى ثم إلى ربكم مرجعكم فينبئكم بما كنتم تعملون إنه عليم بذات الصدور 7 وإذا مس الإنسان ضر دعا ربه منيبا إليه ثم إذا خوله نعمة منه نسي ما كان يدعو إليه من قبل وجعل لله أندادا ليضل عن سبيله قل تمتع بكفرك قليلا إنك من أصحاب النار 8 أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولو الألباب 9 قل ياعباد الذين آمنوا اتقوا ربكم للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة وأرض الله واسعة إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب 10}

صفحة 6041 - الجزء 8

  · المعنى: ثم بَيَّنَ تعالى كمال قدرته بخلق آدم وذريته وخلق الأنعام، وحثهم على الشكر، فقال سبحانه: «خَلَقَكُمْ» يا بني آدم «مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ» وهو آدم؛ لأنه أبو البشر «ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا» حواء خلقها من ضلع من أضلاعه، ثم خلق الذُّرِّيَّة منهما «وَأَنْزَلَ لَكُمْ» قيل: وأنشأ لكم، عن الحسن. وقيل: أنزلها بعد أن خلقها في الجنة، عن أبي علي. وقيل: أعطاكم الأنعام بأن خلقها لكم، والإعطاء بلفظ الإنزال أَبْلَغُ في التعظيم، وإنما ذكر بلفظ الإنزال لعلوه، كقولهم: رفعت قصتي إلى الأمير، فلا يريد المكان؛ بل يريد علوَّ الحال، عن أبي مسلم. وقيل: جعلها نُزْلاً ورزقًا لكم، فالإنزال من النزل «مِنَ الأَنعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ» قيل: من الإبل والبقر والضأن والمعز اثنين، عن قتادة، ومجاهد، والضحاك. ثبوتها في سورة (الأنعام). «يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ» قيل: نطفة، ثم علقة، ثم مضغة، ثم عظامًا، ثم يكسو العظام لحمًا، ثم يُنْشئُ خلقًا آخر، عن قتادة، ومجاهد، والضحاك، والسدي، وأبي علي، وأبي مسلم. وقيل: خلقًا في بطون أمهاتكم بعد الخلق في ظهر آدم، عن ابن زيد، وليس بشيء. وقيل: خلقًا في أصلاب الآباء، ثم في رحم الأمهات، يريد في أجسامكم في بطون أمهاتكم شيئًا بعد شيء، عن أبي علي. «فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاَثٍ» قيل: ظلمة البطن، وظلمة الرحم، وظلمة المشيمة، عن ابن عباس، وقتادة، ومجاهد، والسدي، والضحاك، وابن زيد. وقيل: ظلمة صلب الرجل، وظلمة الرحم، وظلمة البطن، وقيل: الثالث: ظلمة الليل، بَيَّنَ أن هذه الظلمات لم تمنع من الإنشاء والتصوير؛ ليعلم كمال قدرته وأنه لا مثل له «ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ» يعني: الذي جعل هذه الأشياء هو ربكم «لَهُ الْمُلْكُ» القوة على التصرف كيف شاء «لاَ إِلَهَ إِلَّا هُوَ» أي: لا تحق العبادة إلا له «فَأَنَّى تُصْرَفُونَ» من الحق إلى الباطل، وقيل: الشيطان يصرفه، وقيل: أئمة الكفر، وقيل: بل هو ينصرف، وأتى بلفظ ما لم يسم فاعله على