قوله تعالى: {خلقكم من نفس واحدة ثم جعل منها زوجها وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقا من بعد خلق في ظلمات ثلاث ذلكم الله ربكم له الملك لا إله إلا هو فأنى تصرفون 6 إن تكفروا فإن الله غني عنكم ولا يرضى لعباده الكفر وإن تشكروا يرضه لكم ولا تزر وازرة وزر أخرى ثم إلى ربكم مرجعكم فينبئكم بما كنتم تعملون إنه عليم بذات الصدور 7 وإذا مس الإنسان ضر دعا ربه منيبا إليه ثم إذا خوله نعمة منه نسي ما كان يدعو إليه من قبل وجعل لله أندادا ليضل عن سبيله قل تمتع بكفرك قليلا إنك من أصحاب النار 8 أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولو الألباب 9 قل ياعباد الذين آمنوا اتقوا ربكم للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة وأرض الله واسعة إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب 10}
  عادة العرب، يقولون: أنى يُذْهَبُ بك، وهو الذاهب، عن أبي مسلم. «إِن تَكْفُرُوا» هذه النعم ولا تشكروا «فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ» أي: كفركم يضركم ولا يضره «وَلاَ يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ» يعني: وإن كان لا يضره فإنه يكرهه ولا يريده؛ لقبحه، ولما فيه من المفسدة «وَإنْ تَشْكُرُوا» الله تعالى على نعمه بأن تؤمنوا وتتبعوا أوامره وتطيعوا رسوله «يَرْضَهُ لَكُمْ» أي: مع غناه عن الشكر يرضاه لحسنه «وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى» أي: لا يُؤَاخَذُ أحد بذنب غيره، عن مجاهد. والوزر: الحِمْلُ، والوازرة: الحاملة «ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ» «مصيركم» فَيُنَبِّئُكُمْ «يخبركم بأن يجازيكم «بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ» يعلم ما يستحقه كل أحد.
  ثم بَيَّنَ عبادة العصاة، فقال سبحانه: «وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ» أي: ما يضره من المحن والشدائد في نفسه وماله وأهله «دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيهِ» أي: مخلصًا راجعًا إليه مستغيثًا به، داعيًا له، وليس يريد التائب؛ لأنه لا بد أن يكون شاكرًا للنعم، صابرًا على المحن، راضيًا بحكم الله في الحالين «ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ» أعطاه «نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ» تضرعه الأول، وأقبل على عبادة الأصنام، وقيل: أراد بالنسيان الترك، وقيل: الغفلة، وقيل: الإعراض عن «مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ» يعني: نسي في حال الرخاء ما كان يدعو في حال الضر والشدة «وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَادًا» أي: أشباهًا، قيل: من الأوثان يعبدونهم، وقيل: من الرجال يطيعونهم في معاصي الله، عن السدي. «لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ» قيل: يريد به إضلال الناس عن الحق، وقيل: يضل عن طريق الجنة، واللام للعاقبة أي: عاقبته أنه يضل عن طريق الجنة ويدخل النار «قُلْ» يا محمد لهذا الكافر: «تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ» أي: استمتع بما خُوِّلْتَ مع كفرك «قَلِيلًا» قيل: مدتكم في الدنيا، ثم تموتون وتزول النعم «إِنَّكَ» إذا مت صرت «مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ» تعذب فيها دائمًا،