التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {قل إني أمرت أن أعبد الله مخلصا له الدين 11 وأمرت لأن أكون أول المسلمين 12 قل إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم 13 قل الله أعبد مخلصا له ديني 14 فاعبدوا ما شئتم من دونه قل إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ألا ذلك هو الخسران المبين 15 لهم من فوقهم ظلل من النار ومن تحتهم ظلل ذلك يخوف الله به عباده ياعباد فاتقون 16}

صفحة 6048 - الجزء 8

  وقيل: إنما سمي الظلة لأنها في مقابلة ما لأهل الجنة، وقيل: معناه: النار تحيط بهم كالدائرة «ذَلِكَ» يعني: العذاب المذكور «يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ» أي: يخوفهم فعل المعاصي التي بها يُسْتَحَقُّ ذلك «يَاعِبَادِ فَاتَّقُونِ» أي: اتقوا معاصي الله ومخالفة أمره.

  · الأحكام: تدل الآيات أنه يقال للذي يقدر على المعاصي: إنه تركها خوفًا، وعند الْمُجْبِرَة ما ترك معصية قط خوفًا ورغبة لله، ولكن إما لأنه لم يقدر عليها، أو لأنه لم تُخْلَقْ فيه.

  وتدل أن الذي يُتَوَعَّدُ بشرط العصيان.

  ثم يقال للمجبرة: ما تقولون في النبي ÷، هل ترك معصية قط لله تعالى وطلب رضاه قَدَرَ عليها؟ فإن قالوا: نعم، تركوا مذهبهم، وإن قالوا: لا، قلنا: فلو قدر على أي كفر ومعصية في العالم أكان يفعلها؟ فلا بد من الجواب، ب (لا)، فيقال: ما تقولون في إبليس أيقدر على خير؟ فإن قالوا: لا، قلنا: ولو قدر على كل طاعة، أكان يفعلها؟ فإن قالوا: نعم، قلنا: فثناؤكم على إبليس أحسن من الثناء على رسول الله.

  ويدل قوله: {فاعبدوا} أن صيغة الأمر تَرِدُ وليس بأمر لعينه.

  ويدل قوله: {ذَلِكَ يُخَوِّفُ} أن فعل العبيد حادث من جهتهم ليصح التخويف، ولو كان خلقًا له لما أفاد التخويف، وكيف يخوفهم ليتركوا ما خلق فيهم ولا يقدرون على تركه، فيبطل قولهم في المخلوق والاستطاعة.