قوله تعالى: {قل إني أمرت أن أعبد الله مخلصا له الدين 11 وأمرت لأن أكون أول المسلمين 12 قل إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم 13 قل الله أعبد مخلصا له ديني 14 فاعبدوا ما شئتم من دونه قل إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ألا ذلك هو الخسران المبين 15 لهم من فوقهم ظلل من النار ومن تحتهم ظلل ذلك يخوف الله به عباده ياعباد فاتقون 16}
  خص على هذه الوجوه لم يكن تكرارًا «قُلْ إِنِّي أَخاف إِنْ عَصَيتُ رَبِّي» فاحذروا أنتم معصيته، وقيل: إنها منسوخة؛ لأنها نزلت قبل غفران ذنوبه، وهذا فاسد؛ لأنه ليس في الآية وقوع ذنب، وإنما فيها أنه يخاف، ولأن ذنوب الأنبياء تقع مُكَفَّرَةً «قُلِ» يا محمد: «اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي» فلا أعبد معه شيئًا، ولا أعصيه في شيء «فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ» فستجدون جزاءه، وقيل: تقديره: إذا لم تقبلوا نصحي فأنتم وشأنكم، فإني لا أعبد أحدًا سواه، وقيل: إنها منسوخة بآية القتال، وهذا في غاية الفساد؛ لأنه ليس بِأَمْرٍ حتى يُنْسَخَ؛ وإنما هو تهديد ووعيد؛ فلا ينافي القتال والقتل «قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ» الخسران: عبارة عن ذهاب ما يُنْتَفَعُ به، كأنه قيل: الخاسر مَنْ خسر نفسه بإهلاكها وإيرادها في النار «وَأَهْلِيهِمْ» قيل: لأنه لا يكون لهم في النار أهل، وقد كان لهم في الدنيا أهل، عن مجاهد، وابن زيد. وقيل: فلو كانوا معهم في النار فلا ينتفعون بهم، وقيل: خسروا أنفسهم لِلْمُعَدِّ لهم في الجنة من الحور العين، عن الحسن. قال ابن عباس: إن الله تعالى جعل لكل إنسان في الجنة منزلاً وأهلاً، فمن عمل بطاعته كانت له، ومن عصاه صار إلى النار، ودفع منزله وأهله إلى من أطاع، وهو قوله: {أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ}[المؤمنون: ١٠] وقيل: أهليهم الَّذِينَ كانوا معهم على دينهم هلكوا معهم أيضًا، عن أبي مسلم. «أَلاَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ» البين الواضح، ولا خسران أعظم ممن فاتته الجنة وصار إلى النار؛ لأنه يشتمل على كل ضرب من الهلاك والضرر «لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ» قيل: سرادقات وأطياف «مِنَ النَّارِ» من النار ودخانها «وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ» فُرُشٌ ومهاد، وقيل: سُمّي ما تحتهم ظلل؛ لأنه ظلل لِمَنْ تحتهم، وقيل: لأنها تنقلب عليهم، وقيل: ما تحته سمي ظلة للمجاورة كقوله:
  عَلَفْتُهَا تِبْنًا وَمَاءً بارِدَا
  عن أبي مسلم.