قوله تعالى: {والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها وأنابوا إلى الله لهم البشرى فبشر عباد 17 الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب 18 أفمن حق عليه كلمة العذاب أفأنت تنقذ من في النار 19 لكن الذين اتقوا ربهم لهم غرف من فوقها غرف مبنية تجري من تحتها الأنهار وعد الله لا يخلف الله الميعاد 20}
  · النزول: قال ابن زيد في قوله: {وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ} الآية: نزلت في ثلاثة نفر كانوا في الجاهلية يقولون: لا إله إلا الله: زيد بن عمرو بن نفيل، وأبو ذر الغفاري، وسلمان الفارسي.
  · المعنى: لما تقدم الوعيد للكفار والعصاة عقبه بالوعد للمتقين على عادته تعالى في الجمع بين الوعد والوعيد، فقال سبحانه: «وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا» أي: تباعدوا عن «الطَّاغُوتَ أنْ يَعْبُدُوهَا» قيل: الطاغوت: الأوثان، وقيل: الشيطان، عن مجاهد، والسدي، وابن زيد. وأَنَّثَهُ لِلَفْظِهِ، وقيل: هو كل ما دعا إلى عبادة غير الله، وتأنيثه للجماعة. وقيل: هو جماعة الشيطان، واجتناب الطاغوت إن حمل على الشيطان: اجتناب طاعته وترك ما يدعو إليه، فإذا اتبعه في عبادة غير الله فكأنه عبده، وإن حمل على الأصنام فاجتنابها: ترك عبادتها «وَأَنابُوا إِلَى اللَّهِ» أي: رجعوا إليه فعبدوا وأخلصوا عبادته «لَهُمُ الْبُشْرَى» في الدنيا والآخرة وحسن المآب.
  ثم أمر النبي ÷ أن يخبر عن صفات المؤمنين، فقال سبحانه: «فَبَشِّرْ عِبَادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ» قيل: أولاه بالقبول والعمل به، وأَرْشَدُهُ إلى الحق، وقيل: أحسنه طاعة الله، عن قتادة. وقبل: أحسن ما يؤمر به، عن السدي. وقيل:
  معناه: يجتنب التقليد؛ ليسمع الحق والباطل، ثم يتفكر في الأدلة، فيتبع أحسنها في عقله، وهو ما تسكن إليه نفسه، وإنما قال: الأحسن الأنفع. وقيل: يتبعون الناسخ دون المنسوخ. وقيل: يتبعون القرآن؛ لأنه أحسن الحديث وأدل الدليل، يتضمن كل ما يحتاج إليه المكلف «أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ» بالألطاف، وقيل: هداهم إلى الجنة، وقيل: حكم بهدايتهم ومدحهم بها.