قوله تعالى: {والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها وأنابوا إلى الله لهم البشرى فبشر عباد 17 الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب 18 أفمن حق عليه كلمة العذاب أفأنت تنقذ من في النار 19 لكن الذين اتقوا ربهم لهم غرف من فوقها غرف مبنية تجري من تحتها الأنهار وعد الله لا يخلف الله الميعاد 20}
  ومتى قيل: لم لا يحمل على أنه هداهم وغيرهم لما لم ينتفعوا به فكأنه هداهم بالأدلة؟
  قلنا: لأنه تعالى عَمَّ به المكلفين أجمع، إلا أن يحمل ذلك على أنهم انتفعوا به، فكأنه هداهم، وغيرهم لما لم ينتفعوا به فكأنه لم يفعل بهم.
  «وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الألْبَابِ» لأنهم يتبعون عقولهم حيث تفكروا وعلموا الحق واتبعوه، وقيل: هم أولو الألباب بأن يوصفوا بأنهم عقلاء. «أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيهِ» وجب عليه «كَلِمَةُ الْعَذَابِ» أي: كلمة الوعيد استحق الوعيد لكفره، وقيل: الكلام يقتضي جوابًا، ثم اختلفوا، فقيل: جوابه: {أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ} تقديره: من حق عليه العذاب أفأنت تنقذه؟! وقيل: جوابه: {أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ} بكفره كمن ليس كذلك في معلوم الله، وقيل: {أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ} يتخلص منه بغير إيمان «أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ» هذا نفي، أي: لا تنقذهم بجهدك؟ فإنما يتعلق ذلك بجهدهم في الإيمان والطاعة.
  ثم وعد المتقين، فقال سبحانه: {لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ} أي: معاصيه «لَهُمْ غُرَفٌ» أي: منازل عالية، أنشأها الله ابتداء، وهي القصور المبنية، لا تحتاج إلى تكلف بناء «مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ» يعني: مع القصور «مَبْنِيَّةٌ» جميعها «تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنهَارُ» قيل: من تحت الغرف، وقيل: من تحت الأشجار «وَعْدَ اللَّهِ» أي: ذلك وعد الله، وعدها الله المتقين، والله لا يخلف الميعاد؛ لأن ذلك قبيح، وهو لا يفعل القبيح.
  · الأحكام: يدل قوله: «فَبَشِّرْ» على وجوب النظر؛ لأن اتباع الأمر [الأحسن] إنما يتبين بهذه الطريقة.