قوله تعالى: {ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فسلكه ينابيع في الأرض ثم يخرج به زرعا مختلفا ألوانه ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يجعله حطاما إن في ذلك لذكرى لأولي الألباب 21 أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله أولئك في ضلال مبين 22 الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله ذلك هدى الله يهدي به من يشاء ومن يضلل الله فما له من هاد 23 أفمن يتقي بوجهه سوء العذاب يوم القيامة وقيل للظالمين ذوقوا ما كنتم تكسبون 24}
  ومتى قيل: كيف يتصل قوله: {أَفَمَنْ يَتَّقِي} بما قبله؟
  قلنا: على تقدير: من لم يهتد بهدى الله لا يهتدي بغيره، أفيهتدي من يتقي بوجهه سوء العذاب، يعني: المقيم على كفره؟ عن أبي مسلم.
  · المعنى: ولما تقدم ذكر التوحيد والدعاء إليه عقبه بذكر دلائله، فقال تعالى: «أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ» قيل: ما أوجب الله على عباده اعتقاد شيء إلا نصب عليه دليلاً ليُعلم به صحته؛ تنبيهًا على أن الحق ما صدر عن دليل، ومعنى «أَلَمْ تَرَ» ألم تعلم «أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ» قيل: من السحاب وما علا فهو سماء، وقيل: أنزل من السماء إلى السحاب، ثم أنزل إلى الأرض، عن أبي علي، وهو أوجه؛ لأنه حقيقة الإضافة، وقيل: أدخله العيون، ونظيره: {فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ}[المؤمنون: ١٨] «يَنَابِيعَ» أي: عيونًا «فِي الْأَرْضِ»، وقيل: كل ما في الأرض فمن السماء ينزل على الصخرة، ثم يقسم منها العيون والرَّكايا، عن الشعبي، والضحاك. «ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ» بالماء «زَرْعًا» الزرع: كل ما ينبت من غير ساق، والشجر: ما له ساق، والنبات يعم الجميع «مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ» قيل: صنوفه، كالبُرِّ، والشعير، والذرة، والسمسم ونحوه، وقيل: بين ألوان النبات أخضر وأصفر وأحوى وأحمر وأبيض وأسود، عن أبي مسلم. أشار إلى أن المنبت هو الله تعالى لا الطبع؛ إذ لو كان الطبع لما اختلف، والماء والأرض والهواء والشمس والطبائع واحد «ثُمَّ يَهِيجُ» قيل: يجف وييبس «فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا» بعد خضرته «ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا» فتاتًا متكسرًا «إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ» أي: حجة للعاقل إذا تفكر فيها علم أن لها صانعًا، وأنها محدثة، وتتنقل الأحوال، فيستدل على صحة الابتداء والإعادة، وأنه تعلق بمختار. «أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ» أي: فتح ووسع قلبه، وشرح الصدر يكون بثلاثة أشياء:
  أولها: بقوة الأدلة وهو الذي نصبها، ويختص بذلك العلماء.