التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فسلكه ينابيع في الأرض ثم يخرج به زرعا مختلفا ألوانه ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يجعله حطاما إن في ذلك لذكرى لأولي الألباب 21 أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله أولئك في ضلال مبين 22 الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله ذلك هدى الله يهدي به من يشاء ومن يضلل الله فما له من هاد 23 أفمن يتقي بوجهه سوء العذاب يوم القيامة وقيل للظالمين ذوقوا ما كنتم تكسبون 24}

صفحة 6058 - الجزء 8

  «ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ» يعني: القرآن يهدي الله به عباده؛ لِمَا نصب فيه من الأدلة «يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ» وهم الَّذِينَ أتاهم القرآن قد هداهم به، ولم يؤته جميع عباده؛ بل خص أمة محمد ÷، عن أبي علي. وقيل: أراد يهدي به من يشاء وهم الَّذِينَ يهتدون به، خصهم لأنهم ينتفعون به، وإنما يوصف من اهتدى بأنه هداه اللَّه، فأما من لم يهتد، وإن دله الله فلا يوصف بأنه هداه؛ إذ ليس معه هداية «وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ» قيل: من ضل عن الله ورحمته فلا هادي له، يقال: أضللت بعيري إذ ضل، عن أبي مسلم. وقيل: من يضلله عن زيادة الهدى والألطاف؛ لأن الكافر لا لطف له عنده، وقيل: من يحكم الله بضلاله لا يحكم بهدايته أحد، عن أبي مسلم. وقيل: من يضلل الله عن طريق الجنة ونيل الثواب لا يهديه إليها أحد، عن أبي علي. ولا يجوز حمله على أنه يضل عن الدين؛ لأنه قبيح، ولا يجوز عليه تعالى، وقد أضافه إلى الكفار والشياطين فقال سبحانه: {وَأَضَلَّ فِرعَونُ قَومَهُ}⁣[طه: ٧٩]، {وَأَضَلَّهُمْ السَّامِرِيُّ}⁣[طه: ٨٥] {وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا}⁣[يس: ٦٢] فأضاف إلى هَؤُلَاءِ الضلال. «أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» أي: يدفع العذاب عن نفسه بوجهه وهو في غاية الصعوبة؛ لأن الوجه أعز عضو من الإنسان، وقيل: يخر على وجهه في النار، عن مجاهد. وقيل: يرمى به في النار منكوسًا، فأول شيء منه [تمسه النار وجهه، عن عطاء]. وقيل: معناه. يتلقى عذاب النار بوجهه. وقيل: يرد مغلولة يده إلى عنقه إلى النار، وفي عنقه صخرة عظيمة من الكبريت، فتشتعل النار في الحجر فيبلغ وهيجها إلى وجهه لا يطيق دفعها عن وجهه من أجل الأغلال، عن مقاتل.

  ومتى قيل: فما جواب: {أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذَابِ

  قلنا: محذوف، تقديره: كمن هو آمِنٌ من العذاب، فحذف لدلالة الكلام عليه.

  «وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ» تقوله الخزنة «ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ» أي: وباله وجزاءه.