قوله تعالى: {فمن أظلم ممن كذب على الله وكذب بالصدق إذ جاءه أليس في جهنم مثوى للكافرين 32 والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون 33 لهم ما يشاءون عند ربهم ذلك جزاء المحسنين 34 ليكفر الله عنهم أسوأ الذي عملوا ويجزيهم أجرهم بأحسن الذي كانوا يعملون 35 أليس الله بكاف عبده ويخوفونك بالذين من دونه ومن يضلل الله فما له من هاد 36 ومن يهد الله فما له من مضل أليس الله بعزيز ذي انتقام 37}
  جاؤوا بالصدق، وتلقوه من غيرهم، «وَصَدَّقَ بِهِ» من قبله منهم «أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ» اتقوا عذاب الله باتقاء معاصيه «لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ» أي: ما يشاؤون في النعم يوصله الله إليهم، وبَيَّنَ أنه تعالى يفصل بينهم عند الاختصام، فيجعل الجنة مثوى للمؤمنين والنار مثوى للكافرين «لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ» قيل: فعل ذلك بهم؛ ليكفر سيئاتهم ويجزيهم بحسناتهم، وقيل: فعلوا ما فعلوا ليكفر الله سيئاتهم بحسناتهم «أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا» وهو الشرك والكبائر، وإنما يصير مكفرًا عنهم بالتوبة، فأما الصغائر فتقع مكفرة بما معه من ثواب طاعاته، وهذا التكفير يتناول جزاء الأعمال؛ لأن غير الأعمال انقضت، فتكفيرها بتكفير جزائها، كأنه قال: ليكفر عنهم العقاب الذي استحقوه بسوء أعمالهم «وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ» أي: يجازيهم على حسن أعمالهم، وهو الإيمان، وقيل: يجوز أن يكون (أحسن) نعتًا للجزاء، أي: من أحسن جوزي بأحسن منه، فيغفر سوء عمله، ويجازيه بأحسن الجزاء «أَلَيسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ» هو استفهام والمراد التقرير، أي: هو كافٍ عبده المؤمن، فمن قرأ: (عبده) قيل: محمد، ÷، عن السدي، وابن زيد، وجماعة. ومن قرأ: (عباده) قيل: أنبياءه، وقيل: المؤمنين، يكفيهم بنصرته على أعدائهم «وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ» يعني: بالأوثان التي كانوا يعبدونها، عن قتادة، والسدي، وابن زيد. وهذا تعجيب من جهلهم في تخويفهم بجماد مع أن الله تعالى يأمره ويعصمه «وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ» قيل: من يجده ضالاً فما له من هاد ما لم يهتد بنفسه، وقيل: من يضلل الله عن طريق الجنة والثواب لا يهديه إليها أحد، وقيل: من يحكم بضلاله ويصفه بأنه ضال لا يصفه أحد بأنه هاد، «وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ» أي: من اهتدى بهداه لا يضله أحد، وقيل: يحكم بهداه، وقيل: يهديه إلى طريق الجنة والثواب، وقيل: من ضل عن الله لم يهتد بغيره، عن أبي مسلم. «أَلَيْسَ اللَّهُ [بِعَزِيزٍ]» استفهام والمراد التقرير، يعني: الله عزيز، أي: قادر على ما يشاء، «ذِي انْتِقَامٍ» ينتقم من أعدائه.