التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {فمن أظلم ممن كذب على الله وكذب بالصدق إذ جاءه أليس في جهنم مثوى للكافرين 32 والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون 33 لهم ما يشاءون عند ربهم ذلك جزاء المحسنين 34 ليكفر الله عنهم أسوأ الذي عملوا ويجزيهم أجرهم بأحسن الذي كانوا يعملون 35 أليس الله بكاف عبده ويخوفونك بالذين من دونه ومن يضلل الله فما له من هاد 36 ومن يهد الله فما له من مضل أليس الله بعزيز ذي انتقام 37}

صفحة 6067 - الجزء 8

  إياك يا خالد فبأسها شديد، فضرب خالد أنفها بالفأس، فهشمها، وقال: كفرانك يا عزى، لا سبحانك، سبحان مَنْ أهانك.

  وروي أنهم قالوا: لَتَكُفَّنَّ عن شتم آلهتنا أو لنأمرنّها حتى تخبلك.

  ومتى قيل: كيف يخوفونه بها، وهي جماد؟

  قلنا: من لا يستعمل عقله فهو والبهيمة سواء، فهو مع كونه جمادًا اعتقدوا فيه النفع والضر تقليدًا كقول عاد لهود #: {إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ}⁣[هود: ٥٤].

  · المعنى: لَمَّا تقدم ذكر الاختصام بين الفريقين بَيَّنَ حالهما، فقال سبحانه: «فَمَنْ أَظْلَمُ» هذا استفهام، والمراد التقرير، أي: لا أحد أظلم «مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ» بأن أضاف إليه الولد والشبيه أو وصفه بغير صفته، أو أضاف القبيح إليه «وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ» قيل: بالقرآن، عن قتادة. وقيل: بالأنبياء والشرائع وكل ما يجب قبوله من الحق عقلاً وشرعًا «أَلَيسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى» أي: منزلاً. ومقامًا «لِلْكَافِرِينَ» استفهام، والمراد التقرير، يعني: جهنم مثواه «وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ» أي: أتى به، قيل: محمد ÷ «وَصَدَّقَ بِهِ» المؤمنون، جاء بالقرآن وصدقوه فيه، وهو حجتهم في الدنيا والآخرة، عن مجاهد، وقتادة، ومقاتل. واحتجوا بقوله: «أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ» وقيل: الذي جاء بالصدق: جبريل جاء بالقرآن، وصدق به محمد: تلقاه بالقبول، عن السدي. وقيل: الذي جاء بالصدق: محمد جاء بلا إله إلا الله، فصدق به أبو بكر، عن علي بن أبي طالب #، وأبي العالية، والكلبي. وقيل: الذي جاء بالصدق: الأنبياء، وصدق به في الدنيا: الأتباع، عن عطاء، والربيع. وعلى هذا (الذي) بمعنى (الَّذِينَ)، وأراد به الجنس، وقيل: هو المؤمن صدق به في الدنيا وجاء به يوم القيامة، عن الحسن. وقيل: «الَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ»: الأنبياء والملائكة وأولو العلم؛ لأن كلهم