التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {قل اللهم فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك في ما كانوا فيه يختلفون 46 ولو أن للذين ظلموا ما في الأرض جميعا ومثله معه لافتدوا به من سوء العذاب يوم القيامة وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون 47 وبدا لهم سيئات ما كسبوا وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون 48 فإذا مس الإنسان ضر دعانا ثم إذا خولناه نعمة منا قال إنما أوتيته على علم بل هي فتنة ولكن أكثرهم لا يعلمون 49 قد قالها الذين من قبلهم فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون 50 فأصابهم سيئات ما كسبوا والذين ظلموا من هؤلاء سيصيبهم سيئات ما كسبوا وما هم بمعجزين 51}

صفحة 6077 - الجزء 8

  و {يَوْمَ الْقِيَامَةِ} نصب بنزع الخافض، يعني: في يوم القيامة، وقيل: نصب على الظرف.

  «عَالِمَ» نصب على النداء، أي: يا عالم، فهو نداء مضاف.

  ويقال: هل يجوز أن يكون (فَاطِرَ) صفة (اللَّهُمَّ)؟

  قلنا: فيه خلاف، قال سيبويه: لا يجوز ذلك، وتقدير الآية: اللهم يا فاطر. وقال أبو العباس: يجوز على تقدير: يا الله فاطر.

  · المعنى: ولما تقدم ذكر الأدلة فلم يتفكروا فيها، وذكر الموعظة فلم تنجع فيهم، أمره أن يحاكمهم إلى الله تعالى لينْزِلَ بهم ما يستحقونه، فقال سبحانه: «قُلِ» يا محمد: «اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ» أي: خالقهما ابتداء من غير شيء «عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ» يعني: ما غاب وما حضر، وقيل: الموجود والمعدوم «أَنْتَ تَحْكُمُ بَينَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ» مِنْ أَمْرِ دينهم ودنياهم، وحكمة إثابة المؤمنين وعقوبة الكافرين، والانتصاف من المظلوم والانتقام من الظالم.

  ثم بَيَّنَ حالهم، فقال سبحانه: «وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا» قيل: أشركوا، وقيل: ظلموا أنفسهم بالعصيان، وقيل: ظلموا آيات الله بالتكذيب، وقيل: ظلموا الناس، والكل مراد. «مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا» من الأموال «وَمِثْلَهُ مَعَهُ لاَفْتَدَوْا بِهِ» أي: جعلوا ذلك فداء لأنفسهم «مِنْ سُوءِ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» أي: من شدة العذاب، وسمي سوءًا؛ لأنه يسوء صاحبه «وَبَدَا لَهُمْ» أَي: ظهر لهم «مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ» قيل: ظهر من جزاء أعمالهم الذي ينزل بهم في الآخرة ما لم يكن في حسابهم في الدنيا أنها تنزل بهم، وقيل: ظنوا أنها حسنات، فبدت لهم سيئات، عن السدي. يعني: حسبوها طاعة وإيمانًا، فظهر يومئذ أنها مَعَاصٍ وكفر، وكان سفيان إذا قرأ