التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم هن لباس لكم وأنتم لباس لهن علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد تلك حدود الله فلا تقربوها كذلك يبين الله آياته للناس لعلهم يتقون 187}

صفحة 776 - الجزء 1

  من إنكاره النسخِ في القرآن حتى أداه ذلك في مواضع إلى تعسف شديد في التأويل «لَيلَةَ الصِّيَامِ الرَّفثُ» قيل: الجماع، عن ابن عباس وأكثر المفسرين. وقيل: إنها كلمة جامعة لحاجات الرجال إلى نسائهم، عن الأصم «هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ» شبهت باللباس قيل: من حيث يخصها بنفسه كما يخص لباسه فيراها أهلاً لملاقاة بشرته. وقيل: لأنه يسكن إليها، ويستتر بها عن الأمور التي تنفر النفس عنه، كما يستتر بلباسه عن كشف ما ينفر الطبع عن كشفه. وقيل: لأن كل واحد منهما كان يلبس صاحبه على المحظور، ويستتر بصاحبه عن الناس، عن الأصم، وهذا تعسف شديد. واختلفوا في معناه، وقيل: سكن لكم، عن ابن عباس. وقيل: كاللباس لكم يحل له أن تلابسه، عن أبي علي. وقيل: حلال لكم، عن الحسن. «عَلِمَ اللَّه» يعني علمه موجودا، فالوجود حادث لا علم اللَّه؛ لأنه تعالى عالم لم يزل ولا يزال «أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ» قيل: تظلمون أنفسكم، عن ابن عباس، وقيل: تخونون يعني في الجماع؛ لأنه الذي سبق ذكره، ويتأخر ذكره، فلا بد أن يكون وقع من بعضهم، والمعنى جامعتم على وجه محظور، فكأنه خان نفسه من حيث أقدم على محظور، وقيل: تفعلون ما يضركم على وجه المساترة عن غيركم، وقيل: خنتم أنفسكم حيث فوّتم ثوابه «فَتَابَ عَلَيكُمْ» قيل: تبتم فقبل توبتكم، وقيل: رحمكم بأن رخص لكم فرجع بكم إلى الإباحة، وقيل: لطف لكم حتى تبتم.

  ويقال: إذا كان الخيانة الستر فكيف يساتر نفسه؟

  قلنا: قيل: يستر بعضهم بعضًا، وقيل: يعمل على المساترة له، وقيل: لأن الجماع يقع على وجه المساترة.