التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمرا حتى إذا جاءوها فتحت أبوابها وقال لهم خزنتها ألم يأتكم رسل منكم يتلون عليكم آيات ربكم وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا بلى ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين 71 قيل ادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فبئس مثوى المتكبرين 72 وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين 73 وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء فنعم أجر العاملين 74 وترى الملائكة حافين من حول العرش يسبحون بحمد ربهم وقضي بينهم بالحق وقيل الحمد لله رب العالمين 75}

صفحة 6098 - الجزء 8

  قيل: لأن أبواب النار سبعة وأبواب الجنة ثمانية، ففرق بينهما للإعلام بهذا المعنى.

  وقيل: للتصرف في الكلام.

  وقيل: لبيان أنها كانت مفتحة قبل مجيئهم بخلاف النار، فيكون تقديره: وقد فتحت، فالواو واو الحال.

  وقيل: الواو زائدة.

  وقيل: واو الثمانية؛ لأن من عادتهم أن يذكروا العدد إلى سبعة بغير واو ثم يدخلون الواو في الثمانية، ومنه: {سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍـ}⁣[الحاقة: ٧]، {وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ}⁣[التوبة: ١١٢]، {وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ}⁣[الكهف: ٢٢]، {ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا}⁣[التحريم: ٥].

  · المعنى: ثم بَيَّنَ تعالى جزاء الفريقين بعد فصل القضاء، فقال تعالى: «وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ» قيل: يساقون سوقًا عنيفًا ويسحبون على وجوههم «زُمَرًا» قيل: جماعات في تفرقة زمرة بعد زمرة «حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا» ليدخلوها «وَقَال لَهُمْ خَزَنَتُهَا» على سبيل التوبيخ: «أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ» هو استفهام، والمراد التقرير، أي: قد أتاكم رسل «يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ» يعني: حججه ودلائله على توحيده وعدله، ونبوة أنبيائه، وسائر أحكامه وشرائعه «وَيُنذِرُونَكُمْ» أي: يخوفونكم «لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى» يعني: قد جاءتنا الرسل «وَلَكِنْ حَقَّتْ» وجبت «كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ» أي: آيات الوعيد على من كفر بِاللَّهِ، ونحن كَفَرْنا، فحق وعيده علينا، فتقول لهم الخزنة: «ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ» وإن لكل قوم منهم درجة وبابًا، ولذلك قال: «أَبْوَابَ جَهَنَّمَ» يعني: ادخلوا فيها متفرقين على قدر الاستحقاق، قال الحسن: سبعة أبواب لسبعة أصناف، وقد بَيَّنَّا، «فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ» يعني: الَّذِينَ تكبروا عن قبول الحق «وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا» يعني: يساقون مكرمين، كقوله: {يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا ٨٥}⁣[مريم: ٨٥].

  ومتى قيل: كيف ذكر السوق، وذلك يُنْبئ عن الاستخفاف؟