التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {قالوا ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين فاعترفنا بذنوبنا فهل إلى خروج من سبيل 11 ذلكم بأنه إذا دعي الله وحده كفرتم وإن يشرك به تؤمنوا فالحكم لله العلي الكبير 12 هو الذي يريكم آياته وينزل لكم من السماء رزقا وما يتذكر إلا من ينيب 13 فادعوا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون 14 رفيع الدرجات ذو العرش يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده لينذر يوم التلاق 15 يوم هم بارزون لا يخفى على الله منهم شيء لمن الملك اليوم لله الواحد القهار 16}

صفحة 6112 - الجزء 8

  وقيل: لما حث على العبادة والإخلاص رغَّبهم بذكر الدرجات.

  ومتى قيل: كيف اتصال قوله: {يُلْقِي الرُّوحَ

  قلنا: يتصل بقوله: {رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ} وذلك أن يوحي إلى من يشاء. وقيل:

  يتصل بقوله: {رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ}، {وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ}.

  · المعنى: ثم بين اعترافهم، فقال سبحانه: «قَالُوا» يعني: الكفار «رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ» قيل: الموتة الأولى حيث كانوا نطفًا فأحياهم في الدنيا، ثم أماتهم الموتة الثانية، ثم أحياهم للبعث، فهما حياتان وموتتان، ونظيره: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ}⁣[البقرة: ٢٨] عن ابن عباس، وقتادة والضحاك، وأبي مسلم. وقيل: الإماتة الأولى في الدنيا بعد الحياة، والثانية في القبر قبل البعث، والحياة الأولى في القبر، والثانية في الحشر، عن السدي. وقيل: الحياة الأولى في الدنيا، والثانية في القبر، ولم يُرِدِ الحياة يوم القيامة، والموتة الأولى في الدنيا، والثانية في القبر، عن أبي علي. «فَاعْتَرَفْنَا» أي: أقرونا «بِذُنُوبِنَا» من الكفر والمعاصي «فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ» وقيل: هل سبيل إلى الخروج لنصلح أعمالنا؟ «ذَلِكُمْ» في الكلام حذف، يدل على المنطوق به، كأنه قيل: أُجِيبوا بأن لا سبيل إلى الخروج؛ بل مخلدون فيها.

  ثم بَيَّنَ علة الخلود، فقال سبحانه: «ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ» وأنكرتم أن يكون وحده إلهًا، وقلتم: أجعل الآلهة إلها واحدًا، «وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا» أي: تصدقوا المشرك في شركه، وقيل: وإن يشرك به بعد الرد إلى الدنيا لو كان كنتم تُصَدِّقون المشرك، لذلك ذكره بلفظ المستقبل «فَالْحُكْمُ لِلَّهِ» تعالى، يعني: في إنزال كل أحد الموضع الذي استحقه بعمله، وقيل: في إدامة العذاب ومنع الرجوع، و «الْعَلِيِّ» القادر على ما يشاء «الْكَبِيرِ» العظيم الشأن.