التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {قالوا ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين فاعترفنا بذنوبنا فهل إلى خروج من سبيل 11 ذلكم بأنه إذا دعي الله وحده كفرتم وإن يشرك به تؤمنوا فالحكم لله العلي الكبير 12 هو الذي يريكم آياته وينزل لكم من السماء رزقا وما يتذكر إلا من ينيب 13 فادعوا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون 14 رفيع الدرجات ذو العرش يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده لينذر يوم التلاق 15 يوم هم بارزون لا يخفى على الله منهم شيء لمن الملك اليوم لله الواحد القهار 16}

صفحة 6113 - الجزء 8

  ثم بَيَّنَ ذلك، فقال سبحانه: «هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ» أي: حججه وبيناته الدالة على توحيده وعدله، ومنها الذي يتضمن - مع كونه حجة - نعمًا عليكم أنه ينزل لكم من السماء رزقًا؛ يعني: المطر الذي هو سبب الرزق، وقيل: ينزل عليكم الرزق مع كفركم، فلم تتفكروا فيه ولم تشكروه «وَمَا يَتَذَكَّرُ» أي: لا يتفكر في أدلته «إِلَّا مَنْ يُنِيبُ» قيل: يُقْبِلُ على طاعة الله، عن السدي. أي: يرجع إليه بالتوبة والإخلاص، وقيل: يرجع إلى نفسه ويتفكر فيها وفي سائر آياته، فيعلم أن له صانعًا ومدبرًا «فَادْعُوا اللَّهَ» ولا تسألوا بهم أيها المؤمنون «مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ» أي: الطاعة والعبادة، وقيل: لا تتركوا العبادة مخافة المشركين، عن أبي علي. فإنه لا يرضى بذلك «وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ» قيل: لو كره الكفار من أقاربكم، عن أبي مسلم. «رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ» قيل: طبقات الثواب للأنبياء والمؤمنين في الجنة، وقيل: رافع السماوات وهو فوق كل شيء وليس فوقه شيء، وكل شيء مقدر، عن ابن عباس. وقيل: رافع لمن يشاء من عباده، فإن جعلت (رفيع) من صفة الله تعالى، فمعناه: رافع الدرجات «كقدير وقادر»، وإن جعلته من صفة الثواب فهو تنبيه على عظم شأنه، فهو رفيع «ذُو الْعَرْشِ» أي: خالقه ومالكه، وقيل: العرش: الملك أي: ذو الملك، عن أبي مسلم. وقيل: أراد السماء وبناءها «يُلْقِي الرُّوحَ» أي: ينزل الوحي، عن قتادة، والضحاك. وسماه روحًا؛ لأنه الذي به يحيا، وقيل: هو القرآن، وقيل: هو كل كتاب أنزله على نبي من أنبيائه «مِنْ أَمْرِهِ» قيل: من قوله، وقيل: بأمره «عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ» ممن يعلم أنه يصلح لذلك «لِيُنْذِرَ» أي: يخوف «يَوْمَ التَّلاَقِ» يعني: القيامة، وسمي بذلك قيل: لأنه يلتقي فيه الأولون والآخرون، عن أبي علي. وقيل: يلتقي أهل السماء وأهل الأرض، عن قتادة، والسدي، وابن زيد. وقيل: يلتقي المرء عمله، وقيل: يوم يلتقي الخلق والخالق، عن ابن عباس؛ يعني: أنه يحكم بينهم. وقيل: يلتقي الظالم