التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين كانوا من قبلهم كانوا هم أشد منهم قوة وآثارا في الأرض فأخذهم الله بذنوبهم وما كان لهم من الله من واق 21 ذلك بأنهم كانت تأتيهم رسلهم بالبينات فكفروا فأخذهم الله إنه قوي شديد العقاب 22 ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين 23 إلى فرعون وهامان وقارون فقالوا ساحر كذاب 24 فلما جاءهم بالحق من عندنا قالوا اقتلوا أبناء الذين آمنوا معه واستحيوا نساءهم وما كيد الكافرين إلا في ضلال 25}

صفحة 6121 - الجزء 8

  · المعنى: ثم زاد في الإنذار، فقال سبحانه: «أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كيفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ» من كفار الأمم «كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً» في أنفسهم «وَآثَارًا فِي الأَرْضِ» وهو ما بقي من أبنيتهم العجيبة، وقيل: آثارًا في الأرض أي: ذهابًا بالطلب في الدنيا فلم ينفعهم ذلك حتى أُخِذوا «فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ» أي: أهلكهم «بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ» أي: من عذابه «مِنْ وَاقٍ» يقيهم، ويدفع العذاب عنهم، عن قتادة.

  ثم بَيَّنَ العلة في إهلاكهم، فقال سبحانه: «ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ» بالحجج والمعجزات «فَكَفَرُوا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ» أي: أهلكهم عقوبة على كفرهم «إِنَّهُ قَوِيٌّ» أي: قادر على الانتقام منهم «شَدِيدُ الْعِقَابِ».

  «وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا» أي: بحججنا «وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ» حجة ظاهرة. قيل: الآيات والسلطان شيء واحد، وذكرها تأكيدا لاختلاف المعنى، فكأنه ذكر الحجة، وذكر أنه بها يتسلط عليهم، وقيل: الآيات حجج التوحيد والعدل، والسلطان: المعجزات التي بها ظهرت نبوته، وقهر فرعون وقومه «إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ» كاذب فيما يدعي ويدعو إليه «فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنَا» قيل: بالمعجزات الدالة على نبوته، وقيل: بالدين الحق «قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِسَاءَهُمْ» قيل: أمر فرعون بقتل الأبناء مرتين: مرة قبل بعثة موسى خوفًا على ملكه حين أُنْذِرَ به، ومرة بعد البعثة لئلا يتقوى بهم، وليتفرقوا عنه، وقيل: عقوبة لهم، قال قتادة: كان فرعون أمسك عن قتل الولدان، فلما بعث موسى