قوله تعالى: {أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين كانوا من قبلهم كانوا هم أشد منهم قوة وآثارا في الأرض فأخذهم الله بذنوبهم وما كان لهم من الله من واق 21 ذلك بأنهم كانت تأتيهم رسلهم بالبينات فكفروا فأخذهم الله إنه قوي شديد العقاب 22 ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين 23 إلى فرعون وهامان وقارون فقالوا ساحر كذاب 24 فلما جاءهم بالحق من عندنا قالوا اقتلوا أبناء الذين آمنوا معه واستحيوا نساءهم وما كيد الكافرين إلا في ضلال 25}
  أعاد القتل عليهم، وأما استحياء النساء قيل: للمهنة، وقيل: قتلوا الأبناء واستحيوا النساء؛ ليصدهم بذلك عن اتباعه ومظاهرته، «وَمَا كَيدُ الْكَافِرِينَ» أي: مكرهم وتدبيرهم في استبقاء ملكه، وانقطاع القوم وتوهين أمره «إِلَّا فِي ضَلاَلٍ» قيل: في هلاك، وقيل: في ذهاب عن الصواب.
  ولما أحس فرعون بزوال ملكه على يده هَمَّ بقتله، فقال لِمَلَئِهِ: «وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ» الذي يزعم أنه أرسله لينصره عليَّ ويمنعه مني، وهذا إن قاله اعتقادًا فهو جهل عظيم، حيث لم يعلم أنه تعالى قادر على ما يشاء، وإن قاله عنادًا حفظًا على مملكته فهو شديد الجرأة على ربه «إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ» يعني: يُغَيّر دينكم الذي أنتم عليه من عبادة فرعون والأصنام، إلى عبادة اللَّه، وظهوره الفساد قيل: أراد يظهر دينه، ويعمل بعبادة الله، عن قتادة. وقيل: يظهر الحرب بين الفريقين، فيحارب موسى بمن آمن فتخرب البلاد، وتضطرب العباد. وقيل: أراد بالأرض أرض مصر، عن أبي مسلم، وقيل: أراد جنس الأرض. فلما بلغ موسى ذلك قال «إِنِّي عُذْتُ» أي: اعتصمت «بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ»؛ لأن الإيمان بيوم الحساب يمنع عن فعل القبيح، والمتكبر الذي ينكر البعث لا يبالي ما يفعل.
  · الأحكام: تدل الآيات على زجر عظيم، ووجوب التفكر في الأمم الماضية، وكيف أُخِذوا لما كفروا، وفيه تسلية للنبي ÷ في تكذيبهم إياه، ووعيد لقومه.
  وتدل على أن رؤساء الباطل يموِّهون، فلا ينبغي للعاقل أن يشتغل بالتقليد، ويجب أن ينظر ليعلم الحق فيتبعه.
  وتدل على وجوب الاستعاذة بِاللَّهِ عند المهمات.
  ويدل قوله: «ذَرُونِي» أنه كان في قومه مَنْ ينهاه عن قتله خوفًا على فرعون أن يهلك على يد موسى، عن أبي علي.