التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وقال فرعون ياهامان ابن لي صرحا لعلي أبلغ الأسباب 36 أسباب السماوات فأطلع إلى إله موسى وإني لأظنه كاذبا وكذلك زين لفرعون سوء عمله وصد عن السبيل وما كيد فرعون إلا في تباب 37 وقال الذي آمن ياقوم اتبعون أهدكم سبيل الرشاد 38 ياقوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع وإن الآخرة هي دار القرار 39 من عمل سيئة فلا يجزى إلا مثلها ومن عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب 40}

صفحة 6133 - الجزء 8

  والثالث: إيهامه العوام أن ما أتى به موسى لا يدل على صدقه، وأن صدقه يعرف بخبر من السماء. وأقرب الوجوه أنه كان يموه، وإلا فلا يخفى عليه حاله.

  قال الحسن: إنما قال ذلك تمويهًا وكذبًا، وهو يعلم أن له إلهًا؟

  «لَعَلِّي أَبْلُغُ الأسبَابَ أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ» قيل: منازل السماوات، عن ابن عباس. وقيل: طرقها، عن السدي. وقيل: أبوابها، عن قتادة. «فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى» أي: أنظر إليه فأراه، وقيل: لأصعد إليه، والاطلاع: الصعود، عن أبي علي. «وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا» يعني: أظن موسى يكذب فيما يقوله أن له إلهًا غيري أرسله إلينا «وَكَذَلِكَ» أي: هكذا «زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ» قيل: زينت له نفسه سوء عمله فرآه حسنًا، وقيل: زينه قومه وأشياعه؛ لأنهم يصورون للخلق الباطلَ بصورة الحق، وقيل: شياطين الإنس والجن. ولا يقال: الله زينه له؛ لأنه لو زينه لَمَا ذمَّه عليه. «وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ» أي: منع عن طريق الحق ومنع هو غيره على معنى القراءتين. «وَمَا كَيدُ فِرْعَوْنَ» أي: مكره وحيله وتدابيره «إِلَّا فِي تَبَابٍ» أي: في خسران، عن ابن عباس، ومجاهد، وقتادة. وقيل: في ضلال، وقيل: في هلاك، يعني: وباله عاد إليه.

  «وَقَالَ الَّذِي آمَنَ» يعني: مؤمن آل فرعون، عن الحسن وجماعة. وقيل: هو موسى، عن أبي علي. «يَاقَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ» طريق الحق، وقيل: طريق الثواب «يَاقَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ» أي: يتمتع به كل أحد مدة ثم ينقطع «وِإنَّ الآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ» قيل: استقرت الجنة بأهلها، والنار بأهلها، عن قتادة. والقرارقيل المحل الذي يستقر فيه الإنسان. «مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا» أي: من عمل معصية فإنه لا يعاقب إلا بمقدار ما يستحق عليها «وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ» أي: بزيادة فعل؛ إذ لو كان بِقَدْرِهِ لكان يحاسبه.