التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وإذ يتحاجون في النار فيقول الضعفاء للذين استكبروا إنا كنا لكم تبعا فهل أنتم مغنون عنا نصيبا من النار 47 قال الذين استكبروا إنا كل فيها إن الله قد حكم بين العباد 48 وقال الذين في النار لخزنة جهنم ادعوا ربكم يخفف عنا يوما من العذاب 49 قالوا أولم تك تأتيكم رسلكم بالبينات قالوا بلى قالوا فادعوا وما دعاء الكافرين إلا في ضلال 50 إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد 51 يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار 52}

صفحة 6140 - الجزء 8

  فلو أمكننا أن نكفيكم لكفينا أنفسنا، فلا منجى لأحد «إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ» فأنزل بكل أحد ما يستحقه، وهو العدل فيما يقضي، فإذا سمعوا ذلك أقبلوا على الخزنة «وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ» وهم الملائكة «ادْعُوا رَبَّكُمْ» أي: كونوا شفعاء لنا عند الله «يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ» وقد علموا أنه لا يكون، وإنما قالوه تحسرًا من شدة العذابِ، فتجيبهم الخزنة، وقيل: لا يجيبونهم إلا بعد ألف سنة، ثم يقولون: «أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ» بالحجج على التوحيد والعدل، ومُكِّنْتُم مِنْ قبولها فلم تقبلوا؟ وهذا استفهام والمراد به التقرير «قَالُوا فَادْعُوا» قيل: يقولون: الشفاعة فيكم غير مقبولة فادعوا أنتم، فدعاؤنا ودعاؤكم واحد في أنه لا يجاب، وقيل: قالوها استخفافًا بهم، وقيل: معناه فادعوا بالويل والثبور، فالدعاء فيكم غير مجاب «وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ» أي: هلاك؛ لأنه يزيدهم يأسًا وقنوطًا «إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا» قيل: ننصرهم بوجوه النصر، فمنها النصر بالحُجَّةِ، ومنها النصر بالغلبة في الحروب، ومنها النصر بالألطاف والتأييد وتقوية القلب، ومنها النصر بالإهلاك للعدو وتعذيبهم، ومنها النصر بإلقاء الرعب في قلوب الأعداء، كما قال ÷: «نصرت بالرعب». قيل: أراد بالرسل جميع الأنبياء؛ لأنه وإن قُتِلَ بعضهم فكلهم منصورون بوجوه من النصر، وقيل: أراد محمدًا ÷، وقيل: أراد أنهم يفلحون، فخصهم في الدنيا وفي الآخرة، عن أبي العالية. «وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ» قيل: الملائكة والنبيون والمؤمنون، عن قتادة. أي: يشهدون على الخلق، واليوم يوم القيامة «يَوْمَ لاَ يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ» قيل: معاذيرهم؛ لأنها جميعها ليست بعذر، وهو قولهم: أُمِرْنا به، وكنا تبعًا، وقيل: لأنهم يعتذرون بالباطل، كقولهم: {وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشركِينَ}⁣[الأنعام: ٢٣] يعني: عند أنفسنا